والعارفون ولا يقعوا أسرى في شراك هذه النعم، ويفيق المغرورون من سكر غفلتهم ولا يسلكوا طريق الظلم والعدوان.
2 - نلاحظ هنا حضارتين عظيمتين، إحداهما رحمانية، والاخرى شيطانية المصير، لكنهما واجهتا الفناء ولم تخلدا.
3 - ومما يستحق الانتباه، هو أن المغرورين من قوم سبأ الذين لم يستطيعوا تحمل وجود المستضعفين بينهم، وتمنوا حاجزا منيعا بين الأقلية الأشراف والأكثرية الفقراء يحول دون اختلاطهم، ودعوا الله أن يباعد بين قراهم حتى يشق السفر على الفقراء، وقد إستجاب الله سبحانه وتعالى دعاءهم وفرق جمعهم، ومزقهم أيادي سبأ، حتى أنهم لو أرادوا الالتقاء لتطلب منهم ذلك أن يصرفوا عمرا كاملا في السفر.
4 - حينما يدقق المتأمل في وضع تلك الأرض قبل هجوم " سيل العرم " وبعده، لا يمكنه أن يصدق بسهولة أن هذه الأرض بعد السيل هي تلك الأرض الخضراء المليئة بالأشجار المورقة المثمرة، وكيف أضحت الآن صحراء موحشة ليس فيها إلا بضعة أشجار مبعثرة من الشجر المر والأراك وقليل من شجر السدر تتراءى من بعيد كمسافرين أضاعوا طريقهم وتبعثروا هنا وهناك.
وهذا يجسد بلسان الحال: أن " كيان الإنسان " كهذه الأرض، فإذا استطاع السيطرة على قواه الخلاقة واستخدمها بالشكل الصحيح، فإنه ينبت بساتين مليئة بالطراوة من العلم والعمل والفضائل الأخلاقية، ولكن إذا كسر سد التقوى، وانهالت الغرائز كالسيل المدمر، وغطت أرض حياة الإنسان، فلن يبقى غير الخراب، وأحيانا فإن أعمالا ظاهرها أنها بسيطة تبدأ بالتأثير تدريجيا على الأسس، حتى ينهار كل شئ، لذا يجب الخوف والحذر حتى من هذه الأمور الصغيرة التافهة ظاهرا.