ورغم أن أرض (اليمن) كانت واسعة وصالحة للزراعة، إلا أنه من استغلالها لعدم وجود نهر مهم في تلك المنطقة، كما أن مياه الأمطار - التي كانت تهطل بغزارة على قمم الجبال كانت تذهب هدرا في هضاب وصحاري تلك المنطقة. ولكن أهل تلك المنطقة الأذكياء فكروا في كيفية الاستفادة من تلك المياه المهدورة، فبنوا لهذا الغرض عددا من السدود في النقاط الحساسة كان أهمها وأكثرها مخزونا " سد مأرب ".
" مأرب " بلدة صغيرة تقع عند انتهاء إحدى ممرات السيول تلك، وكانت تمر سيول جبال " صراة " العظيمة من جنبها، وفي فم هذا المضيق وبين جبلي " بلق " بنوا سدا عظيما قويا، وأوجدوا فيه منافذ كثيرة للماء، وقد استطاع هذا السد خزن كميات هائلة من الماء خلفه إلى درجة أنهم استطاعوا - بالاستفادة من ذخيرته - إحداث جنات جميلة جدا، وبساتين مملوءة بالبركة على طرفي النهر الوارد إبتداء من مصب السد.
وكما ذكرنا سابقا فإن القرى المأهولة في تلك الأرض كانت شبه متصلة ببعضها، بحيث أن ظلال الأشجار كانت تتواصل مع بعضها البعض، وكانت الأشجار محملة بكميات كبيرة من الثمار حتى أن من يمر تحتها بسلته الخالية يخرج بعد مدة قصيرة بسلة ممتلئة تلقائيا، وفور النعمة - ممزوجا بالأمان - هيأ محيطا مرفها لحياة طاهرة، محيطا نموذجيا لطاعة الله، والتكامل المعنوي، ولكنهم لم يقدروا النعمة حق قدرها، فنسوا الله، وجحدوا النعمة، وانشغلوا بالتفاخر والعناوين والمستوى الاجتماعي.
ورد في بعض كتب التاريخ بأن الجرذان الصحراوية، بعيدا عن مرأى هؤلاء المغرورين السكارى، كانت تتخذ لها جحورا في ذلك السد الترابي، وتنخره من الداخل، وفجأة هطلت أمطار غزيرة وتجمعت لتشكل سيولا عظيمة، تراكمت خلف ذلك السد الذي لم يعد حينها مؤهلا لتحمل الضغط الشديد من تلك الكميات