ولا منافاة بين التفسيرين لأن من الممكن أن يكون " سبأ " اسم شخص ابتداء، ثم بعدئذ سمي كل أولاده وقومه من بعده باسمه، ثم انتقل الاسم ليشمل مكان سكناهم.
تنتقل الآية بعد ذلك لتجلي الموقف عن تلك الموهبة الإلهية التي وضعت بين يدي قوم سبأ. فيقول تعالى: جنتان عن يمين وشمال.
ما حصل هو أن قوم سبأ استطاعوا - ببناء سد عظيم بين الجبال الرئيسية في منطقتهم - حصر مياه السيول المدمرة أو الضائعة هدرا على الأقل، والإفادة منها..
وبإحداث منافذ في ذلك السد سيطروا تماما على ذلك الخزان المائي الهائل، وبالتحكم فيه تمكنوا من زراعة مساحات شاسعة من الأرض.
الإشكال الذي أثاره (الفخر الرازي) هو: ما هي أهمية وجود مزرعتين لكي يذكر ذلك في آية مستقلة؟ ثم يقول في الجواب أن هاتين المزرعتين لم تكونا عاديتين، بل إنهما عبارة عن سلسلة من رياض المترابطة مع بعضها البعض والممتدة على جانبي نهر عظيم يتغذى من ذلك السد العظيم. وكانت تلك الرياض مليئة بالبركات إلى درجة أنه ورد في كتب التأريخ عنها، أن لو مر شخص يحمل على رأسه سلة فارغة من تحت أشجار تلك المزارع في فصل نضوج الأثمار فإنها تمتلئ بسرعة نتيجة ما يتساقط من تلك الأثمار الناضجة.
أليس من العجيب إذا أن يتحول سبب الخراب والدمار إلى سبب رئيسي للعمران بذلك الشكل المدهش؟ ثم ألا يعد ذلك من عجائب آيات الله سبحانه وتعالى؟
وعلاوة على كل ذلك - وكما سترد الإشارة إليه في الآيات الآتية - فإن من آيات الله أيضا ذلك الأمن والأمان غير العاديين اللذين شملا تلك الأرض.
ثم يضيف القرآن: كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب