وصف الإنسان بهاتين الصفتين - وظاهرهما ذمه وتوبيخه - كان نتيجة قبوله لهذه الأمانة؟
من المسلم أن النفي هو جواب هذا السؤال، لأن قبول هذه الأمانة أعظم فخر وميزة للإنسان، فكيف يمكن أن يذم على قبوله مثل هذا المقام السامي؟
أم أن هذا الوصف بسبب نسيان غالب البشر وظلمهم أنفسهم، وعدم العلم بقدر الإنسان ومنزلته.. وبسبب الفعل الذي بدأ منذ إبتداء نسل آدم من قبل قابيل وأتباعه، ولا يزال إلى اليوم.
إن الإنسان الذي ينادى من العرش، وبني آدم الذين وضع على رؤوسهم تاج (كرمنا بني آدم) والبشر الذين هم وكلاء الله في الأرض بمقتضى قوله سبحانه:
إني جاعل في الأرض خليفة والإنسان الذي كان معلما للملائكة وسجدت له، كم يجب أن يكون ظلوما جهولا لينسى كل هذه القيم السامية الرفيعة، ويجعل نفسه أسيرة هذه الدنيا، وتابعا لهذا التراب، ويكون في مصاف الشياطين، فينحدر إلى أسفل سافلين؟!
أجل.. إن قبول هذا الخط المنحرف - والذي كان ولا يزال له أتباع وسالكون كثيرون جدا - خير دليل على كون الإنسان ظلوما جهولا، ولذلك نرى أنه حتى آدم نفسه، والذي كان رأس السلسلة ومتمتعا بالعصمة، يعترف بأنه قد ظلم نفسه ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. (1) لقد كان " ترك الأولى " الذي صدر منه ناشئا في الحقيقة عن نسيان جزء من عظمة هذه الأمانة الكبرى!
وعلى أي حال، فيجب الاعتراف بأن الإنسان الضعيف والصغير في الظاهر، هو أعجوبة علم الخلقة، حيث استطاع أن يتحمل أعباء الأمانة التي عجزت السماوات