على الأكثر، وإذا وجد في التواريخ والروايات فقليل جدا.
والشاهد الآخر هو ما نقرؤه في الحديث المروي عن " أنس بن مالك " خادم النبي الخاص، حيث يقول: أنا أعلم الناس بهذه الآية - آية الحجاب - لما أهديت زينب إلى رسول الله كانت معه في البيت - صنع طعاما، ودعا القوم فقعدوا يتحدثون، فجعل النبي يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون، فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي - إلى قوله - من وراء حجاب فضرب الحجاب وقام القوم (1).
وفي رواية أخرى عن " أنس " أنه قال: أرخى الستر بيني وبينه، فلما رأى القوم ذلك تفرقوا (2).
بناء على هذا فإن الإسلام لم يأمر النساء المسلمات بأن يجلسن خلف الستور، ولا يبرحن دورهن، وليس لكلمة " المستورات " أو " المحجبات " وأمثال ذلك من التعبيرات صفة إسلامية أو بعد إسلامي بالنسبة للنساء، بل إن ما يلزم المرأة المسلمة هو محافظتها على الحجاب الإسلامي، إلا أن نساء النبي قد أمرن بهذا الأمر الخاص بسبب وجود أعداء كثيرين، ومتتبعين للعيوب والمغرضين، وكان من الممكن أن يصبحن عرضة للتهم، وحربة تقع بيد الانتهازيين.
وبتعبير آخر: إن الناس قد أمروا أن يسألوا نساء النبي ما يبتغونه من وراء حجاب. خاصة وأن التعبير ب " وراء " يشهد لهذا المعنى.
ولذلك بين القرآن فلسفة هذا الحكم فقال: ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن.
وبالرغم من أن مثل هذا التعليل لا ينافي الحكم الاستحبابي، إلا أن ظهور الأمر في جملة فاسألوهن لا يتزلزل في دلالته على الوجوب، لأن مثل هذا التعليل قد ورد أحيانا في موارد أحكام واجبة أخرى.