وحيدا حينما صدع بنداء الإسلام ورفع شعاره، ولم يؤمن به بعد مدة طويلة سوى عدة معدودة، فإنه ثار ضد كل معتقدات عصره وبيئته الخرافية، وأعلن الحرب ضد الجميع، فمن البديهي أن تتحد كل الأقوام والقبائل ضده.
في هذا الوضع كان لابد من أن يستعين بكل الوسائل ويستغلها لكسر إتحاد الأعداء اللامشروع، وكانت إحدى هذه الوسائل هو الزواج من القبائل المختلفة لإيجاده علاقة قرابة ونسب، لأن رابطة القرابة كانت تعد أقوى الروابط بين عرب الجاهلية، وكانوا يعتبرون الصهر من نفس القبيلة، والدفاع عنه واجبا، وتركه وحيدا جريمة وذنبا.
إن لدينا قرائن كثيرة تبين أن زواج النبي (صلى الله عليه وآله) المتعدد كان له صبغة سياسية في كثير من الموارد على أقل تقدير. وأحدها - كزواجه بزينب - كان لكسر سنة جاهلية، وقد بينا تفصيله في ذيل الآية (37) من هذه السورة. وبعضه لتقليل العداوة، أو لجلب محبة أشخاص أو أقوام متعصبين عنودين.
من الواضح أن شخصا يتزوج وهو في سن الخامسة والعشرين، حيث كان في عنفوان شبابه، بامرأة أيم لها أربعون سنة، ويكتفي بها حتى الثالثة والخمسين من عمره، وبهذا يكون قد قضى مرحلة الشباب وبلغ سن الكهولة، ثم يقدم على الزواج المتعدد، لابد أن يكون له سبب وفلسفة، ولا يمكن أن يفسر بأي وجه من الوجوه بأسباب العلاقة والرغبة الجنسية، لأنه لم يكن هناك مانع اجتماعي، أو ظروف مالية صعبة، أو أدنى نقص يمنع النبي (صلى الله عليه وآله) من الزواج المتعدد في سني شبابه، خاصة وأن تعدد الزوجات كان أمرا طبيعيا بين العرب آنذاك، بل ربما كانت الزوجة الأولى تذهب لخطبة الزوجة الثانية، ولم يكونوا يعترفون بأي حد في إتخاذ الزوجات.
والطريف أنه قد ورد في التواريخ أن النبي لم يتزوج إلا بكرا واحدة، وهي عائشة، وباقي نسائه كن أيامى جميعا ومن الطبيعي أن لا يتمتعن بإثارة جنسية