إلى الهدف. في حين أن نتيجة هذا الاستسلام هي إجهاض كل الجهود والمساعي، وإحباط كل جهاد وكفاح.
إن تأريخ الإسلام يبين أن الكافرين والمنافقين سعوا مرارا إلى جر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هذا الموضع، فاقترحوا مرة أن لا يذكر الأصنام بسوء ولا ينتقدها وينتقصها، وقالوا مرة أخرى: أئذن لنا أن نعبد ربك سنة، وأعبد آلهتنا سنة، وكانوا يقولون أحيانا: امهلنا سنة نقيم فيها على ديننا ثم نؤمن بك. واقترحوا عليه مرة أن أبعد عنك فقراء المؤمنين ومساكينهم لنضم صوتنا - نحن الأثرياء ذوي المكانة - إليك.
وكانوا يعلنون أحيانا استعدادهم لبذل الامتيازات المالية والمركز والمنصب الحساس، والنساء الجميلات وأمثال ذلك.
من المسلم أن كل هذه كانت شراك خطيرة في طريق انتشار الإسلام السريع، واقتلاع جذور الكفر والنفاق، ولو كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد أظهر الليونة والميل إلى المساومة أمام واحد من هذه الاقتراحات فإن دعائم الثورة الإسلامية كانت ستنهار، ولم تكن الجهود لتصل إلى نتيجة مطلقا.
ثم تقول في الأمر الرابع والخامس: ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا.
إن هذا الجزء من الآية يوحي بأنهم قد وضعوا النبي (صلى الله عليه وآله) تحت ضغط شديد لحمله على الاستسلام، واستخدموا ضده وضد أصحابه كل أنواع الأذى، سواء كان عن طريق جرح اللسان والكلام الفاحش والإهانة، أم عن طريق الأذى الجسمي، أو عن طريق الحصار الاقتصادي. وكان لهذا الأذى صورة وأسلوبا في مكة، وأسلوبا آخر في المدينة، لأن " الأذى " جاء مطلقا في الآية ويشمل كل أنواع الأذى.
ويرى " الراغب " في المفردات أن " الأذى " هو كل ضرر يصيب الكائن الحي، سواء في روحه، أو جسمه، أو يصيب من يرتبط به، سواء في الدنيا أم الآخرة.