وأساسا فان مخالفة السنن والأعراف، واقتلاع الآداب والعادات الخرافية وغير الإنسانية يقترن عادة بالضجيج والغوغاء والصخب، وينبغي أن لا يهتم الأنبياء بهذا الضجيج والصخب مطلقا، ولذلك تعقب الجملة التالية فتقول: سنة الله في الذين خلوا من قبل.
فلست الوحيد المبتلى بهذه المشكلة، بل إن الأنبياء جميعا كانوا يعانون هذه المصاعب عند مخالفتهم سنن مجتمعاتهم، وعند سعيهم لاجتثاث أصول الأعراف الفاسدة منها.
ولم تكن المشكلة الكبرى منحصرة في محاربة هاتين السنتين الجاهليتين، بل إن هذا الزواج لما كان مرتبطا بالنبي (صلى الله عليه وآله) فإنه يمكن أن يعطي الأعداء حربة أخرى ليعيبوا على النبي (صلى الله عليه وآله) فعله، ويطعنوا في دينه، وسيأتي تفصيل ذلك.
ويقول الله سبحانه في نهاية الآية تثبيتا لاتباع الحزم في مثل هذه المسائل الأساسية: وكان أمر الله قدرا مقدورا.
إن التعبير ب قدرا مقدورا قد يكون إشارة إلى كون الأمر الإلهي حتميا، ويمكن أن يكون دالا على رعاية الحكمة والمصلحة فيه، إلا أن الأنسب في مورد الآية أن يراد منه كلا المعنيين، أي أن أمر الله تعالى يصدر على أساس الحساب الدقيق والمصلحة، وكذلك لابد من تنفيذه بدون استفهام أو تلكؤ.
والطريف أننا نقرأ في التواريخ أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أولم للناس وليمة عامة لم يكن لها نظير فيما سبق اقترانه بزوجاته (1)، فكأنه أراد بهذا العمل أن يبين للناس أنه غير قلق ولا خائف من السنن الخرافية التي كانت سائدة في تلك البيئة، بل إنه يفتخر بتنفيذ هذا الأمر الإلهي، إضافة إلى أنه كان يطمح إلى أن يصل صوت إلغاء هذه السنة الجاهلية إلى آذان جميع من في جزيرة العرب عن هذا الطريق.
* * *