" سرحت الإبل "، أي: أطلقتها لتأكل من الأعشاب وأوراق الشجر، ثم أطلقت بمعنى أوسع على كل نوع من السراح ولكل شئ وشخص، وتأتي أحيانا كناية عن الطلاق، ويطلق (تسريح الشعر) على تمشيط الشعر وترجيله، وفيه معنى الإطلاق أيضا. وعلى كل حال فإن المراد من " السراح الجميل " في الآية طلاق النساء وفراقهن فراقا مقترنا بالإحسان، وليس فيه جبر وقهر.
وللمفسرين وفقهاء المسلمين هنا بحث مفصل في أنه هل المراد من هذا الكلام أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد خير نساءه بين البقاء والفراق، وإذا ما انتخبن الفراق فإنه يعتبر طلاقا بحد ذاته فلا يحتاج إلى إجراء صيغة الطلاق؟ أم أن المراد هو أنهن يخترن أحد السبيلين، فإن أردن الفراق أجري النبي (صلى الله عليه وآله) صيغة الطلاق، وإلا يبقين على حالهن؟
ولا شك أن الآية لا تدل على أي من هذين الأمرين، وما تصوره البعض من أن الآية شاهد على تخيير نساء النبي، وعدوا هذا الحكم من مختصات النبي (صلى الله عليه وآله)، لأنه لا يجري في سائر الناس، لا يبدو صحيحا، بل إن الجمع بين الآية أعلاه وآيات الطلاق يوجب أن يكون المراد الفراق عن طريق الطلاق.
وهذه المسألة مورد نقاش بين فقهاء الشيعة والسنة، إلا أن القول الثاني - أي الفراق عن طريق الطلاق - يبدو أقرب لظواهر الآيات، إضافة إلى أن لتعبير (أسرحكن) ظهورا في أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقدم على تسريحهن، خاصة وأن مادة " التسريح " قد استعملت بمعنى الطلاق في موضع آخر من القرآن الكريم (سورة البقرة / الآية 229) (1).
وتضيف الآية التالية: وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما.