الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٣ - الصفحة ١٧٢
بناء على هذا فإن مفهوم الآية يصبح: إن اولي الأرحام أولى من الأجانب من ناحية الإرث، أما كيف يرث هؤلاء الأرحام؟ وعلى أي أساس ومعيار؟ فإن القرآن سكت عن ذلك في هذا الموضع، مع أنه بحث الموضوع مفصلا في آيات سورة النساء (1).
4 - الحكم الرابع الذي ورد في الآية أعلاه كاستثناء، هو استفادة وانتفاع الأصدقاء والأفراد المعينين الذين يخصهم الأمر من الأموال التي يتركها الإنسان كذكرى، والذي بين بجملة: إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ومصداقه الواضح هو حكم الوصية، حيث يستطيع الإنسان أن يتصرف في ثلث أمواله ويضعه حيث يشاء، أو يوصي به لمن يشاء.
وبهذا فإن الإسلام عندما وضع أساس الإرث على دعامة القرابة والرحم بدل الروابط والعلاقات السابقة، لم يقطع وشائج الصلة بين الإنسان ورفقائه الذين يعزهم وباقي إخوته المسلمين تماما، فالإنسان حر في التصرف في ماله من ناحية الكمية والكيفية، إلا أن هذه الحرية مشروطة بأن لا تزيد على الثلث، ومن الطبيعي أن الإنسان إذا لم يوص بشئ فإن كل أمواله تقسم بين أقاربه وذوي رحمه طبقا لقانون الإرث، ولا يترك له ثلث في هذه الحالة (2).
* * *

١ - بناء على هذا، فإن استدلال بعض الفقهاء بهذا التعبير على أولوية طبقات الإرث بالنسبة إلى بعضها البعض لا يبدو صحيحا، وربما سبب حرف الباء في (أولى ببعض) مثل هذا الاشتباه، فظنوا أن المفضل عليهم هنا هم البعض، في حين أن القرآن الكريم ذكر صريحا أن المفضل عليهم هم من المؤمنين والمهاجرين.
نعم.. إن تعبير (أولو الأرحام) لا يستطيع أن يشعر بمفرده أن المعيار هو الرحم والقرابة، وأن درجة القرابة كلما قويت وارتفعت فستكون أحق بالتقدم - لاحظوا ذلك -.
2 - يعتقد جمع من المفسرين أن الاستثناء في جملة (إلا أن تفعلوا..) استثناء منقطع، لأن حكم الوصية غير حكم الإرث، ولكنا نعتقد أن لا مانع من أن يكون الاستثناء هنا متصلا، لأن جملة (وأولو الأرحام...) دليل على أن الأقارب أولى من الأجانب بالنسبة إلى الأموال التي يتركها الميت، إلا أن يكون قد أوصى، فإن الموصى له يكون حينئذ أولى من الأرحام في إطار الثلث، وهذا في الحقيقة شبيه بالاستثناءات التي وردت في آيات الإرث بصيغة (من بعد وصية...).
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»
الفهرست