وتوضيح ذلك: أن الهداية قد وردت في الآيات والروايات بمعنيين: " تبيان الطريق "، و " الإيصال إلى المطلوب "، وكذلك هداية الأئمة الإلهيين تتخذ صورتين: فيكتفون أحيانا بالأمر والنهي، وأحيانا أخرى ينفذون إلى أعماق القلوب المستعدة والجديرة بالهداية ليوصلوها إلى الأهداف التربوية والمقامات المعنوية.
وقد استعملت كلمة " الأمر " في بعض آيات القرآن بمعنى " الأمر التكويني "، مثل: إنما أمره إذا أردا شيئا أن يقول له كن فيكون (1)، وجملة يهدون بأمرنا في الآية مورد البحث إشارة إلى هذا المعنى أيضا، أي إن أولئك كانوا أئمة ينفذون إلى النفوس المستعدة بقدرة الله، ويسوقونها إلى الأهداف التربوية والإنسانية العالية (2).
إن هذا المعنى يستحق الملاحظة والإنتباه، وهو أحد شؤون الإمامة، وفروع وطرق الهداية، إلا أن حصر جملة: يهدون بأمرنا بهذا المعنى لا يوافق ظاهر الآية، لكن لا مانع من أن نفسر كلمة الأمر في هذه الجملة بمعناها الواسع الذي يتضمن الأمر التكويني والتشريعي، ويجمع كلا معنيي الهداية في الآية، وهذا المعنى ينسجم مع بعض الأحاديث الواردة في تفسير هذه الآية.
ولكن، وعلى كل حال، لا يمكن أن يصل الإمام والهادي إلى هذا المقام إلا في ظل اليقين والاستقامة فقط.
ويبقى سؤال، وهو: هل المراد من هؤلاء الأئمة في بني إسرائيل هم الأنبياء الذين بعثوا إليهم، أم أن العلماء الذين كانوا يهدون الناس إلى الخيرات بأمر الله يدخلون في هذه الزمرة؟
الآية ساكتة عن ذلك، واكتفت بالقول بأننا قد جعلنا منهم أئمة، لكن بملاحظة