الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٣ - الصفحة ١٢٢
في الآيات السابقة حول المجرمين والكافرين، فإنه يتطرق إلى صفات المؤمنين الحقيقيين البارزة، ويبين أصولهم العقائدية، وبرامجهم العملية بصورة مضغوطة ضمن آيتين بذكر ثمان صفات (1)، فيقول أولا: إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون.
التعبير ب‍ (إنما) الذي يستعمل عادة لإفادة معنى الحصر، يبين أن كل من يتحدث عن الإيمان ويتمشدق به، ولا يمتلك الخصائص والصفات التي وردت في هذه الآيات، فإنه لا يكون في صف المؤمنين الواقعيين، بل هو شخص ضعيف الإيمان.
لقد بينت في هذه الآية أربع صفات:
1 - أنهم يسجدون بمجرد سماعهم آيات الله، والتعبير ب‍ (خروا) بدل (سجدوا) إشارة إلى نكتة لطيفة، وهي أن هؤلاء المؤمنين ينجذبون إلى كلام الله لدى سماعهم آيات القرآن ويهيمون فيها بحيث يسجدون لا إراديا (2).
نعم.. إن أول خصائص هؤلاء هو العشق الملتهب، والعلاقة الحميمة بكلام محبوبهم ومعشوقهم.
لقد ذكرت هذه الصفة والخاصية في بعض آيات القرآن الأخرى كأحد أبرز صفات الأنبياء، كما يقول الله سبحانه في شأن جمع من الأنبياء العظام: إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا. (3)

١ - ينبغي الالتفات إلى أن الآية الأولى هي أولي السجدات الواجبة في القرآن الكريم، وإذا ما تلاها أحد بتمامها، أو سمعها من آخر فيجب أن يسجد. طبعا لا يجب فيها الوضوء، لكن يجب الاحتياط في وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه.
2 - يقول الراغب في المفردات: (خروا) في الأصل من مادة الخرير، أي صوت الماء وأمثاله حين انحداره من مرتفع إلى منخفض، واستعماله هذا التعبير في شأن الساجدين إشارة إلى أن هؤلاء ترتفع أصواتهم بالتسبيح في لحظة هويهم إلى الأرض للسجود.
3 - سورة مريم، الآية 58.
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست