نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " (1).
وبغض النظر عن كل ذلك، فإن عالم القيامة - وكما أشرنا إلى ذلك سابقا - عالم أوسع من هذا العالم سعة لا تحتمل المقارنة، فهو أوسع حتى من الحياة الدنيا بالقياس إلى حياة الجنين في رحم الام، وأبعاد ذلك العالم لا يمكن إدراكها عادة بالنسبة لنا نحن السجناء داخل الجدران الأربعة للدنيا، ولا يمكن تصوره من قبل أحد.
إننا نسمع كلاما عنه فقط، ونرى شبحه من بعيد، لكننا ما لم ندرك ولم نر ذلك العالم، فإن من المحال إدراك أهميته وعظمته، كما أن إدراك الطفل في بطن الام لنعم هذه الدنيا - على فرض امتلاكه العقل والإحساس الكامل - غير ممكن.
وقد ورد نفس هذا التعبير في شأن الشهداء في سبيل الله، ذلك أن الشهيد عندما يقع على الأرض تقول له الأرض: مرحبا بالروح الطيبة التي خرجت من البدن الطيب، أبشر فإن لك ما لا عين رأت، ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر (2).
وتبين الآية التالية المقارنة التي مرت في الآيات السابقة بصيغة أكثر صراحة، فتقول: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا.
لقد وردت الجملة بصيغة الاستفهام الإنكاري، ذلك الاستفهام الذي ينبعث جوابه من عقل وفطرة كل إنسان بأن هذين الصنفين لا يستويان أبدا، وفي الوقت نفسه، وللتأكيد، فقد أوضحت الآية عدم التساوي بصورة أوضح بذكر جملة: لا يستوون.
لقد جعل " الفاسق " في مقابل " المؤمن " في هذه الآية، وهذا دليل على أن للفسق مفهوما واسعا يشمل الكفر والذنوب الأخرى، لأن هذه الكلمة أخذت في الأصل من جملة (فسقت الثمرة) إذا خرجت من قشرها، ثم أطلقت على الخروج