حيث أن هذه المسألة لم تكن مسألة " ساذجة " بسيطة، ولها أثر كبير في مصير بلد كامل وأمة كبيرة!.. فينبغي أن لا يكتفي بمخبر واحد، بل ينبغي التحقيق أكثر في هذا المجال: قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين.
وهذا الكلام يثبت بصورة جيدة أنه يجب الاهتمام في المسائل المصيرية المهمة، حتى لو أخبر بها " فرد " صغير، وأن يعجل في التحقيقات اللازمة " كما تقتضيه السين " في جملة " سننظر "!
سليمان (عليه السلام) لم يتهم الهدهد فيحكم عليه بالكذب.. ولم يصدق كلامه دون أي دليل... بل جعله أساسا للتحقيق!
وعلى كل حال، فقد كتب كتابا وجيزا ذا مغزى عميق، وسلمه إلى الهدهد وقال له: اذهب بكتابي فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون (1).
يستفاد من التعبير ألقه إليهم أن يلقي الكتاب عندما تكون ملكة سبأ حاضرة بين قومها، لئلا تعبث به يد النسيان أو الكتمان.، ومن هنا يتضح أن ما ذهب إليه بعض المفسرين بأن الهدهد ذهب إلى قصر ملكة سبأ ودخل مخدعها وألقى الكتاب على صدرها أو حنجرتها - لا يقوم عليه دليل - وإن كان متناسبا مع الجملة التي وردت في الآية التالية إني ألقي إلي كتاب كريم.
ففتحت ملكة سبأ كتاب سليمان، واطلعت على مضمونه، وحيث أنها كانت من قبل قد سمعت بأخبار سليمان واسمه، ومحتوى الكتاب يدل على إقدامه وعزمه الشديد في شأن بلدة " سبأ "، لذلك فكرت مليا، ولما كانت في مثل هذه المسائل المهمة تستشير من حولها، لذلك فقد دعتهم وتوجهت إليهم وقالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم.