والقنوت التكوينيان... أي إن زمام أمر الجميع من جهة القوانين التكوينية كله في يده، وهم مستسلمون لقانون عالم التكوين وفق مشيئة الله، شاؤوا أم أبوا.
حتى العتاة الطغاة الألداء والمتمردون على القانون والجبابرة، هم مضطرون أيضا أن يحنوا رؤوسهم لأمر الله في القوانين التكوينية.
والدليل على هذه " المالكية " هو الخالقية والربوبية، فإن من خلق الموجودات في البداية وتكفلها بالتدبير، فمن المسلم أنه هو المالك الأصلي لها لا سواه!
وبما أن جميع موجودات الدنيا سواسية في هذا الأمر، فمن الواضح أن لا يكون معه أي شريك في الملك حتى الأوثان والمعبودات المصطنعة التي يتصورها المشركون أنها أربابهم، هي أيضا مملوكة لمالك " الملك " والملوك، وهي طوع أمره.
وينبغي الالتفات - ضمنا - إلى أن كلمة " قانت " تعني - كما يقول الراغب في مفرداته - في الأصل: الطاعة الملازمة للخضوع!
ونقرأ حديثا عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال " كل قنوت في القرآن فهو طاعة ".
غاية ما في الأمر، تارة تأتي هذه الطاعة " تكوينية " وأخرى " تشريعية ".
وما ذهب إليه بعض المفسرين من أن كلمة " قانتون " معناها هنا " قائمون بالشهادة على وحدانيته " (1) فهو في الحقيقة بيان لأحد مصاديق الطاعة، لأن الشهادة على وحدانية الله نوع من الطاعات.
وحيث أن المسائل المرتبطة بالمبدأ والمعاد هي كالنسيج الواحد في انسجامها في سلسلة الآيات الآنفة، والتي ستأتي في ما بعد، ففي الآية التالية يعود القرآن إلى موضوع المعاد، فيقول: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو