إقامة دليل واضح وعذر مقبول لتخلفه!
وفي الحقيقة فإن سليمان قبل أن يقضي غيابيا ذكر تهديده اللازم في صورة ثبوت التخلف... وحتى هذا التهديد جعله في مرحلتين تناسبان الذنب... مرحلة العقاب بما دون الاعدام، ومرحلة العقاب بالإعدام.
وقد برهن " سليمان " ضمنا أنه - حتى بالنسبة للطائر الضعيف - يستند في حكمه إلى المنطق والدليل، ولا يعول على القوة والقدرة أبدا.
ولكن غيبة الهدهد لم تطل فمكث غير بعيد عاد الهدهد وتوجه نحو سليمان: فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين.
وكأن الهدهد قد رأى آثار الغضب في وجه سليمان، ومن أجل أن يزيل ذلك التهجم، أخبره أولا بخبر مقتضب مهم إلى درجة أن سليمان نفسه كان غير مطلع عليه، برغم ما عنده من علم، ولما سكن الغضب عن وجه سليمان، فصل الهدهد له الخبر، وسيأتي بيانه في الآيات المقبلة.
ومما ينبغي الالتفات إليه أن جنود سليمان - حتى الطيور الممتثلة لأوامره - كانت عدالة سليمان قد أعطتهم الحرية والأمن والدعة بحيث يكلمه الهدهد دون خوف وبصراحة لا ستار عليها فيقول: أحطت بما لم تحط به.
فتعامل الهدهد " وعلاقته " مع سليمان لم يكن كتعامل الملأ المتملقين للجبابرة الطغاة.. إذ يتملقون في البدء مدة طويلة، ثم يتضرعون ويعدون أنفسهم كالذرة أمام الطود، ثم يهوون على أقدام الجبابرة ويبدون حاجتهم في حالة من التضرع والتملق، ولا يستطيعون أن يصرحوا في كلامهم أبدا، بل يكنون كناية أرق من الورد لئلا يخدش قلب السلطان غبار كلامهم!!.
أجل، إن الهدهد قال بصراحة: غيابي لم يكن اعتباطا وعبثا... بل جئتك بخبر يقين " مهم " لم تحط به!
وهذا التعبير درس كبير للجميع، إذ يمكن أن يكون موجود صغير كالهدهد