دعاءه، فيكون عدم الإنكار دليلا جليا على صدق مدعاه، وعلى كل حال فإن هذه الكيفية الخاصة للنبي (صلى الله عليه وآله) التي نوهت عنها الآيات المتقدمة، إنما هي لإكمال إعجاز القرآن، ولقطع السبيل أمام حجج المتذرعين بالأباطيل الواهية، وفيها تأثير بالغ ونافع جدا.
أجل، إنه عالم منقطع النظير، لكنه لم يدرس في مدرسة، بل تعلم من وحي السماء!.
تبقى هناك ذريعة واحدة يحتج بها المتذرعون، وهي أن النبي سافر إلى الشام مرة أو مرتين " لفترة وجيزة ولغرض التجارة ".. قبل نبوته، فيقولون: ربما اتصل في بعض هاتين السفرتين بعلماء أهل الكتاب وتعلم منهم هذه المسائل!.
والدليل على ضعف هذا الادعاء منطو في نفسه، فكيف يمكن أن يسمع إنسان جميع هذه الدروس وتواريخ الأنبياء والأحكام والمعارف الجليلة، وهو لم يمض إلى مدرسة ولم يقرأ شيئا، فيحفظ كل ذلك بهذه السرعة، ويودعه في ذهنه، ثم يبينه ويفصله خلال مدة ثلاث وعشرين سنة؟! وأن يبدي موقفا مناسبا للحوادث غير المتوقعة والتي لم يسبق لها مثيل.
وهذا يشبه تماما أن نقول مثلا: إن فلانا تعلم قائمة العلوم والفنون الطبية كلها في عدة أيام، وأنه كان مشرفا على معالجة المرضى في المستشفى الفلاني، ومستشارا للأطباء، هذا كلام أقرب إلى المزاح والهزل منه إلى الجد.
وينبغي الالتفات إلى هذه المسألة، هي أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن بلغ مرحلة النبوة، يحتمل أن يكون قادرا على القراءة والكتابة، حينئذ وذلك بواسطة التعليم الإلهي وإن لم يرد في التواريخ أنه استفاد من هذه الطريقة! ولم يقرأ شيئا بنفسه أو يكتب شيئا بيده، ولعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تجنب كل ذلك في طول عمره لئلا يتذرع المتذرعون فيثيروا الشكوك بنبوته! الشئ الوحيد الذي جاء في كتب التأريخ أن النبي (صلى الله عليه وآله) كتبه بنفسه، هو صلح الحديبية الذي جاء في مسند أحمد أن " النبي أمسك القلم