العامة وتوغل الإسلام في طبقات المجتمع...
ثم بعد هذا كله فإن التعبير بالايذاء مناسب لمحيط مكة... وإلا فقل أن اتفق مثل هذا الإيذاء في محيط المدينة.
وقد تنور واتضح - ضمنا - هذا الموضوع الدقيق، وهو أن التعبير بالمنافق لا يختص بمن ليس في قلبه ايمان اطلاقا ويدعي الإيمان، بل حتى الافراد من ضعاف الإيمان الذين يتراجعون عن عقيداتهم نتيجة الضغوط والتأثير بفلان وفلان فهؤلاء أيضا يعدون من المنافقين.. والآية محل البحث - كما يظهر - تتحدث عن هذا النوع من المنافقين، وتصرح بأن الله مطلع على نياتهم وعليم بسرائرهم.
وفي الآية التالية - لمزيد التأكيد - يضيف القرآن قائلا: وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين.
فلو تصوروا أنهم إذا أخفوا الحقائق فإنهم سيكونون في منأى عن علم الله فهم في خطأ كبير جدا.
ونكرر هنا - مرة أخرى أن التعبير بالمنافقين ليس دليلا على أن هذه الآيات نزلت في المدينة، صحيح أن مسألة النفاق تقع عادة بعد انتصار جماعة والاستيلاء على الحكومة.. حيث يغير المخالفون أقنعتهم ويعملون في الخفاء حينئذ، إلا أن للنفاق - كما قلنا - معنى واسع، ويشمل حتى الأفراد ضعاف الإيمان الذين يبدلون عقيدتهم لأدنى مكروه يصيبهم.
والآية الأخرى بعدها تشير إلى منطق المشركين الخاوي والملتوي، الذي لا يزال موجودا في طبقات المجتمع الواسعة فتقول: وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم (1).