العلم والمعرفة فهو وارثهم الأصيل... بصرف النظر عن الأموال التي يرثها عنهم، ثم إن هذا الحديث منقول في المعنى، وعبر عنه تعبيرا سيئا ويحتمل أن يكون (ما تركناه صدقة) المستنبط من بعض الروايات مضاف عليه.
ولكي لا يطول بنا الكلام ننهي كلامنا ببحث للمفسر المعروف من أهل السنة " الفخر الرازي " الذي أورده ذيل الآية (11) من سورة النساء إذ يقول: من تخصيصات هذه الآية " آية الإرث " ما هو مذهب أكثر المجتهدين، أن الأنبياء (عليهم السلام) لا يورثون، والشيعة خالفوا فيه.. روي أن فاطمة (عليها السلام) لما طلبت الميراث ومنعوها منه احتجوا بقوله (عليه السلام): " نحن معاشر الأنبياء لا نورث.. ما تركناه صدقة ".. فعند هذا احتجت فاطمة (عليها السلام) بعموم قوله: للذكر مثل حظ الأنثيين وكأنها أشارت إلى أن عموم القرآن لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد.
ثم يضيف الفخر الرازي قائلا: إن الشيعة قالوا: بتقدير أن يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، إلا أنه غير جائز هنا وبيانه من ثلاثة أوجه:
" أحدها ": أنه على خلاف قوله تعالى حكاية عن زكريا (عليه السلام): يرثني ويرث من آل يعقوب.. وقوله تعالى: وورث سليمان داود قالوا: ولا يمكن حمل ذلك على وراثة العلم والدين، لأن ذلك لا يكون وراثة في الحقيقة، بل يكون كسبا جديدا مبتدأ، إنما التوريث لا يتحقق إلا في المال على سبيل الحقيقة.
" وثانيها ": أن المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلا فاطمة وعلي والعباس، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين، وأما أبو بكر فإنه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة البتة، لأنه ما كان يخطر بباله أن يرث من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف يليق بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها؟ ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة؟!
" وثالثها ": يحتمل أن قوله: " ما تركناه صدقة " صلة " لا نورث " والتقدير (الذي تركناه صدقة) فذلك الشئ (لا يورث).