هنا أصبح الناس طائفتين - بحسب العادة فطائفة وهم الأكثرية - من عبدة الدنيا - أثارهم هذا المشهد، فاهتزت قلوبهم وتأوهوا بالحسرات وتمنوا لو كانوا مكان قارون ولو يوما واحدا ولو ساعة واحدة وحتى ولو لحظة! واحدة...
فأية حياة عذبة جميلة هذه الحياة التي تهب اللذات والنشاط... قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم.
هنيئا لقارون ولثروته العظيمة!.. وما أعظم جلاله وعزته.. ولا نظن في التاريخ أحدا أعطاه الله ما أعطى قارون.. وما إلى ذلك من الكلمات.
وهنا جاء دور الامتحان الإلهي العظيم فمن جانب نجد قارون عليه أن يؤدي امتحانه في غروره وطيشه! ومن جانب آخر من بهرهم مشهده الذين أحاطوا به - من بني إسرائيل -.
وبالطبع فإن العقاب الأليم هو العقاب الذي سيقع بعد هذا العرض المثير، وهو أن يهوي قارون من أوج العظمة إلى قعر الأرض إذ تنخسف به الأرض على حين غرة!.
لكن أمام هذه الطائفة التي ذكرناها آنفا طائفة أخرى من العلماء والمتقين الورعين، سمت آفاقهم عن مثل هذه المسائل، وكانوا حاضرين حينئذ و " المشهد " يمر من أمامهم.
هؤلاء الرجال لا يقومون الشخصية بالذهب والقوة، ولا يبحثون عن القيم في الأمور المادية. لا تبهرهم هذه المظاهر، بل يسخرون منها ويتبسمون تبسم استهزاء وازدراء! ويحقرون هذه الرؤوس الفارغة.
فهؤلاء كانوا هناك، وكان لهم موقف آخر من قارون، وكما يعبر عنهم القرآن وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ثم أردفوا مؤكدين ولا يلقاها إلا الصابرون.
أولئك الذين لا تهزهم زخارف الدنيا وزبارجها، ويقفون في استقامة -