" الفارغ " معناه الخالي، والمقصود به هنا أن قلب أم موسى أصبح خاليا من كل شئ إلا من ذكر موسى.. وإن كان بعض المفسرين يرون أن المقصود به هو خلو القلب من الهم والغم، أو أنه خال من الإلهام والبشائر التي بشرت بها أم موسى من قبل، ولكن مع الالتفات لهذه الجمل والتدقيق فيها يبدوا هذا التفسير غير صحيح.
وطبيعي تماما أن أما تفارق ولدها بهذه الصورة يمكن أن تنسى كل شئ إلا ولدها الرضيع، ويبلغ بها الذهول درجة لا تلتفت معها إلى ما سيصيبها وولدها من الخطر لو صرخت من أعماقها وأذاعت أسرارها.
ولكن الله الذي حمل أم موسى هذا العب ء الثقيل ربط على قلبها لتؤمن بوعد الله، ولتعلم أنه بعين الله، وأنه سيعود إليها وسيكون نبيا.
كلمة " ربطنا " من مادة " ربط " ومعناها في الأصل شد وثاق الحيوان أو ما أشبهه بمكان ما ليكون محفوظا في مكانه، ولذلك يدعى هذا المحل الذي تربط فيه الحيوانات ب " الرباط " ثم توسعوا في اللغة فصار معنى الربط: الحفظ والتقوية والاستحكام، والمقصود من " ربط القلب " هنا تقويته.. أي تثبيت قلب أم موسى، لتؤمن بوعد الله وتتحمل هذا الحادث الكبير.
وعلى أثر لطف الله أحست أم موسى بالاطمئنان، ولكنها أحبت أن تعرف مصير ولدها، ولذلك أمرت أخته أن تتبع أثره وتعرف خبره وقالت لأخته قصيه.
كلمة " قصيه " مأخوذة من مادة " قص " على زنة " نص " ومعناها البحث عن آثار الشئ، وإنما سميت القصة قصة لأنها تحمل في طياتها أخبارا مختلفة يتبع بعضها بعضا.
فاستجابت " أخت موسى " لأمر أمها، وأخذت تبحث عنه بشكل لا يثير الشبهة، حتى بصرت به من مكان بعيد، ورأت صندوقه الذي كان في الماء يتلقفه