الأولان منه في الآيات السابقة، ونقرأ الآن القسم الثالث:
يقول تعالى أولا: بل كذبوا بالساعة.
وبما أن كلمة " بل " تستعمل لأجل " الإضراب " فيكون المعنى: أن ما يقوله أولئك الكفار على صعيد نفي التوحيد والنبوة، إنما ينبع في الحقيقة من إنكارهم المعاد، ذلك أنه إذا آمن الانسان بهكذا محكمة عظمي وبالجزاء الإلهي، فلن يتلقى الحقائق بمثل هذا الاستهزاء واللامبالاة، ولن يتذرع بالحجج الواهية ضد دعوة النبي وبراهينه الظاهرة، ولن يتذلل أمام الأصنام التي صنعها وزينها بيده.
لكن القرآن هنا لم يتقدم برد استدلالي، ذلك لأن هذه الفئة لم تكن من أهل الاستدلال والمنطق، بل واجههم بتهديد مخيف وجسد أمام أعينهم مستقبلهم المشؤوم والأليم، فهذا الأسلوب قد يكون أقوى تأثيرا لمثل هؤلاء الأفراد يقول أولا: واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا. (1) ثم وصف هذه النار المحرقة وصفا عجيبا، فيقول تعالى: إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا.
في هذه الآية، تعبيرات بليغة متعددة، تخبر عن شدة هذا العذاب الإلهي:
1 - إنه لا يقول: إنهم يرون نار جهنم من بعيد، بل يقول: إن النار هي التي تراهم - كأن لها عينا وأذنا - فسمرت عينها على الطريق بانتظار هؤلاء المجرمين.
2 - إنها لا تحتاج إلى أن يقترب أولئك المجرمون منها، حتى تهيج، بل إنها تزفر من مسافة بعيدة.. من مسافة مسيرة عام، طبقا لبعض الروايات.
3 - وصفت هذه النار المحرقة ب " التغيظ " وذلك عبارة عن الحالة التي يعبر بها الإنسان عن غضبه بالصراخ والعويل.
4 - إن لجهنم " زفيرا " يعني كما ينفث الإنسان النفس من الصدر بقوة، وهذا