الحقيقة... وهي أن قوم شعيب (أهل مدين وأصحاب الأيكة) كانوا مستقرين في منطقة حساسة تجارية، وهي على طريق القوافل القادمة من الحجاز إلى الشام، أو العائدة من الشام إلى الحجاز، ومن مناطق أخر.
ونحن نعرف أن هذه القوافل تحتاج في أثناء الطريق إلى أمور كثيرة...
وطالما يسئ أهل المنطقة الاستفادة من هذه الحالة، فهم يستغلونها فيشترون بضائعهم بأبخس ثمن... ويبيعون عليهم المستلزمات بأعلى ثمن " وينبغي الالتفات إلى أن أكثر المعاملات في ذلك الحين كانت قائمة على أساس المعاوضة سلعة بسلعة "...
وربما تذرعوا عند شراء البضاعة بأن فيها عدة عيوب، وإذا أرادوا أن يبيعوا عليهم عرفوها بأحسن التعاريف، وعندما يزنون لأنفسهم يستوفون الوزن، وإذا كالوا الآخرين أو وزنوا لهم لا يهتمون بالميزان الصحيح والاستيفاء السليم، وحيث أن الطرف المقابل محتاج إلى هذه الأمور على كل حال ومضطر إليها، فلا بد له من أن يقبلها ويسكت عليها!...
وبغض النظر عن القوافل التي تمر عليهم، فإن أهل المنطقة نفسها المضطرين إلى التعامل ببضائعهم مع هؤلاء المطففين، وليسوا بأحس حظا من أصحاب القوافل أيضا.
فقيمة المتاع سواء كان الجنس يراد بيعه أو شراؤه تتعين بحسب رغبة الكسبة هؤلاء. والوزن والمكيال على كل حال بأيديهم، فهذا المسكين المستضعف عليه أن يستسلم لهم كالميت بيد غاسله!
ومع ملاحظة ما ذكرناه آنفا، نعود الآن إلى تعابير الآيات المختلفة... فتارة يقول شعيب لقومه: أوفوا الكيل، وفي مكان آخر يقول: زنوا بالقسطاس المستقيم، ونعرف أن تقويم الأجناس والبضائع يتم عن طريق الكيل أو الوزن، فهو يشير إلى كل واحد منهما ويهتم به اهتماما خاصا... لمزيد التأكيد على أن لا يبخسوا الناس