ذلك لأن حسابهم مع هؤلاء.
وأما لماذا يقال لهم هنا: لا تدعوا ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا؟
ربما كان ذلك لأن عذابهم الأليم ليس مؤقتا فينتهي بقول (وا ثبورا) واحدا، بل ينبغي أن يرددوا هذه الجملة طيلة هذه المدة، علاوة على أن العقوبات الإلهية لهؤلاء الظالمين المجرمين متعددة الألوان، حيث يرون الموت أمام أعينهم إزاء كل مجازاة، فتعلوا أصواتهم ب (وا ثبورا)، فكأنهم يموتون ثم يحيون وهكذا.
ثم يوجه الخطاب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويأمره أن يدعو أولئك إلى المقايسة، فيقول تعالى: قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا.
تلك الجنة التي لهم فيها ما يشاؤون.
تلك الجنة التي سيبقون فيها أبدا خالدين.
أجل، إنه وعد الله الذي اخذه على نفسه: كان على ربك وعدا مسؤولا.
هذا السؤال، وطلب هذه المقايسة، ليس لأن أحدا لديه شك في هذا الأمر، وليس لأن تلك العذابات الأليمة المهولة تستحق الموازنة والمقايسة مع هذه النعم التي لا نظير لها، بل إن هذا النوع من الأسئلة والمطالبة بالمقارنة لأجل إيقاظ الضمائر الهامدة، حيث تجعلها أمام أمر بديهي واحد، وعلى مفترق طريقين:
فإذا قالوا في الجواب: إن تلك النعم أفضل وأعظم (وهو ما سيقولونه حتما) فقد حكموا على أنفسهم بأن أعمالهم خلاف ذلك. وإذا قالوا: إن العذاب أفضل من هذه النعمة، فقد وقعوا على وثيقة جنونهم، وهذا يشبه ما إذا حذرنا شابا ترك المدرسة والجامعة بقولنا: اعلم أن السجن هو مكان الذين فروا من العلم ووقعوا في أحضان الفساد، ترى السجن أفضل أم الوصول إلى المقامات الرفيعة!؟
* * *