الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١١ - الصفحة ٢٠٩
الفقر والذل، فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب، إعظاما للذهب وجمعه، واحتقارا للصوف ولبسه. ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان، ومعادن العقيان، ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرض لفعل، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء، واضمحلت الأنباء، ولما وجب للقابلين أجور المبتلين، ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين، ولا لزمت الأسماء معانيها، ولكن الله سبحانه جعل رسله اولي قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى.
ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام، وملك تمتد نحوه أعناق الرجال، وتشد إليه عقد الرحال، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم في الاستكبار، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة، ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الإتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والإستكانة لأمره والاستسلام لطاعته، أمورا له خاصة لا تشوبها من غيرها شائبة. وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل ". (1) والجدير بالذكر أن البعض يرى بأن المراد بالجنة والقصور، جنة الآخرة قصورها، لكن هذا التفسير لا ينسجم مع ظاهر الآية بأي وجه. (2) * * *

1 - " الخطبة القاصعة "، الخطبة 192 نهج البلاغة.
2 - وكذلك الذين قالوا: إن المقصود هو جنات الدنيا وقصور الآخرة، فالفعلان الماضي والمضارع (جعل ويجعل) اللذان في الآية، ينبغي ألا يكونا باعثا على هكذا وهم أيضا، لأننا نعلم طبقا لقواعد الأدب العربي، أن الأفعال في الجملة الشرطية تفقد مفهومها الزماني.
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»
الفهرست