الفقر والذل، فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب، إعظاما للذهب وجمعه، واحتقارا للصوف ولبسه. ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان، ومعادن العقيان، ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرض لفعل، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء، واضمحلت الأنباء، ولما وجب للقابلين أجور المبتلين، ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين، ولا لزمت الأسماء معانيها، ولكن الله سبحانه جعل رسله اولي قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى.
ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام، وملك تمتد نحوه أعناق الرجال، وتشد إليه عقد الرحال، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم في الاستكبار، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة، ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الإتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والإستكانة لأمره والاستسلام لطاعته، أمورا له خاصة لا تشوبها من غيرها شائبة. وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل ". (1) والجدير بالذكر أن البعض يرى بأن المراد بالجنة والقصور، جنة الآخرة قصورها، لكن هذا التفسير لا ينسجم مع ظاهر الآية بأي وجه. (2) * * *