المنحرفين والمنافقين الحاقدين إلى جحورهم.
ومهما يكن سبب نزول هذه الأحكام، فإنها لا تخص سبب النزول وحده، ولا تنصرف لزمانه ومكانه فقط، بل هي أحكام نافذة في كل بيئة وزمان.
بعد هذا الحديث نشرع في تفسير هذه الآيات لنرى كيف يتابع القرآن بفصاحته وبلاغته هذه الحادثة الخاصة، وكيف يبحث تفاصيلها بدقة.
* * * 2 - التفسير 3 - حديث الإفك المثير:
تقول أول آية من الآيات موضع البحث، دون أن تطرح أصل الحادثة إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لأن من علائم الفصاحة والبلاغة، حذف الجمل الزائدة، والاكتفاء بما تدل عليه الكلمات من معان شاملة.
كلمة " الإفك " على وزن " فكر " كما يقول الراغب الأصفهاني: يقصد بها كل مصروف عن وجهه، الذي يحق له أن يكون عليه، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهاب " مؤتفكة " ثم أطلقت على كل كلام منحرف عن الحق ومجانب للصواب، ومن ذلك يطلق على الكذب " أفك ".
ويرى " الطبرسي " في مجمع البيان أن الإفك لا يطلق على كل كذبة بل الكذبة الكبيرة التي تبدل الموضوع عن حالته الأصلية، وعلى هذا يستفاد أن كلمة " الإفك " بنفسها تبين أهمية هذه الحادثة وكذب التهمة المطروحة.
وأما كلمة " العصبة " فعلى وزن " فعلة " مشتقة من العصب، وجمعها أعصاب، وهي التي تربط عضلات الجسم بعضها مع بعض، وعلى شكل شبكة منتشرة في الجسم، ثم أطلقت كلمة " عصبة " على مجموعة من الناس متحدة وذات عقيدة واحدة.