قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون.
فإذا كنت - يا فرعون - تحكم حكما ظاهريا في أرض محدودة تدعى مصر، فإن حكومة ربي الواقعية تسع المشرق والمغرب وما بينهما جميعا، وآثاره تشرق في وجوه الموجودات!... وأساسا فإن هذه الشمس في شروقها وغروبها وما يتحكم فيها من نظام، كل ذلك بنفسه آية له ودليل على عظمته... إلا أن العيب كامن فيكم، لأنكم لا تعقلون، ولم تعتادوا التفكير (وينبغي الالتفات إلى أن جملة إن كنتم تعقلون هي إشارة إلى أنه لو كنتم تتفكرون وتستعملون العقل في ماضي حياتكم وحاضرها لتوصلتم إلى إدراك هذه المسألة).
وفي الواقع إن موسى (عليه السلام) أجاب على اتهامهم إياه بالجنون بأسلوب بليغ بأنه ليس مجنونا، وأن المجنون هو من لا يرى كل هذه الآثار ودلائل وجود الخالق، والعجيب أنه مع وجود الآثار على باب الدار والجدار، فإنه يوجد من لا يفكر في هذه الآثار! ".
وصحيح أن موسى (عليه السلام) أشار بادئ الأمر إلى تدبير أمر السماوات والأرض، إلا أنه حيث أن السماء عالية جدا، وأن الأرض ذات أسرار غربية، فقد وضع موسى (عليه السلام) أخيرا إصبعه على نقطة لا يمكن لأحد إنكارها، ويواجهها الإنسان كل يوم، وهي نظام طلوع الشمس وغروبها وما فيها من منهج دقيق... وليس لأحد من البشر أن يدعي أن بيده نظامها أبدا...
والتعبير ب " ما بينهما " إشارة إلى الوحدة وارتباط في ما بين المشرق والمغرب، وهكذا كان التعبير في شأن السماوات والأرض. قال رب السماوات والأرض وما بينهما.
ويبين التعبير ربكم ورب آبائكم الأولين أيضا ارتباط النسل والوحدة فيه...
غير أن هذا المنطق المتين الذي لا يتزعزع غاظ فرعون بشدة، فالتجأ إلى