من كلامه تعالى أيضا أن للانسان حياة أخرى سابقة على حياته الدنيا يحذوها فيها كما يحذو حذو حياته الدنيا فيما يتلوها. وبعبارة أخرى إن للانسان حياة قبل هذه الحياة الدنيا وحياة بعدها، والحياة الثالثة تتبع حكم الثانية والثانية حكم الأولى، فالانسان وهو في الدنيا واقع بين حيوتين: سابقة ولاحقة، فهذا هو الذي يقضي به ظاهر القرآن.
لكن الجمهور من المفسرين حملوا القسم الأول من الآيات وهي الواصفة للحيوة السابقة على ضرب من لسان الحال واقتضاء الاستعداد، والقسم الثاني منها وهي الواصفة للحيوة اللاحقة على ضروب المجاز والاستعارة هذا، إلا أن ظواهر كثير من الآيات يدفع ذلك.
أما القسم الأول وهي آيات الذر والميثاق فستأتي في مواردها، وأما القسم الثاني فكثير من الآيات دالة على أن الجزاء يوم الجزاء بنفس الأعمال وعينها كقوله تعالى: (لا تعتذروا اليوم أنما تجزون ما كنتم تعملون) التحريم - 7، وقوله تعالى: (ثم توفى كل نفس ما كسبت الآية) البقرة - 281، وقوله تعالى: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) البقرة - 23. وقوله تعالى: فليدع ناديه سندع الزبانية) العلق - 18، وقوله تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء) آل عمران - 28، وقوله تعالى: (ما يأكلون في بطونهم إلا النار) البقرة - 179، وقوله: (إنما يأكلون في بطونهم نارا) النساء - 10، إلى غير ذلك من الآيات.
ولعمري لو لم يكن في كتاب الله تعالى - إلا قوله: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد) ق - 22، لكان فيه كفاية إذ الغفلة لا تكون إلا عن معلوم حاضر، وكشف الغطاء لا يستقيم إلا عن مغطى موجود فلو لم يكن ما يشاهده الانسان يوم القيامة موجودا حاضرا من قبل لما كان يصح أن يقال للانسان أن هذه أمور كانت مغفولة لك، مستورة عنك فهي اليوم مكشوف عنها الغطاء، مزالة منها الغفلة.
ولعمري أنك لو سئلت نفسك أن تهديك إلى بيان يفي بهذه المعاني حقيقة من غير مجاز لما أجابتك إلا بنفس هذه البيانات والأوصاف التي نزل بها القرآن الكريم.
ومحصل الكلام أن كلامه تعالى موضوع على وجهين: