أو دنيوية إذا نزلت بدار قوم فإنما تتوجه أول ما تتوجه إلى أصول الطريقة القديمة وأعراقها فتقطعه فان دامت على حيوتها وقوتها - وذلك بحسن التربية وحسن القبول - أماتت الفروع وقطعت الأذناب وإلا فاختلطت بقايا من القديمة بالحديثة والتئمت بها وصارت كالمركب النباتي، ما هو بهذا ولا ذاك.
فأمر تعالى الناس أن يأكلوا مما في الأرض، والاكل هو البلع عن مضغ وربما يكنى بالاكل عن مطلق التصرف في الأموال لكون الاكل هو الأصل في أفعال الانسان والركن في حياته كما قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض) النساء - 29، والآية لا تأبى الحمل على هذا المعنى الوسيع لاطلاقها، والمعنى كلوا وتصرفوا وتمتعوا مما في الأرض من النعم الإلهية التي هيأته لكم طبيعة الأرض بإذن الله وتسخيره أكلا حلالا طيبا، أي لا يمنعكم عن أكله أو التصرف فيه مانع من قبل طبائعكم وطبيعة الأرض، كالذي لا يقبل بطبعه الاكل، أو الطبع لا يقبل أكله، ولا تنفر طبائعكم عن أكله مما يقبل الطبع أكله لكن ينافره ويأبى عنه السليقة كالاكل الذي توسل إليه بوسيلة غير جائزة.
فقوله تعالى: كلوا مما في الأرض حلالا طيبا، يفيد الإباحة العامة من غير تقييد واشتراط فيه إلا أن قوله ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إلخ يفيد: أن هيهنا أمورا تسمى خطوات الشيطان - متعلقة بهذا الاكل الحلال الطيب - إما كف عن الاكل اتباعا للشيطان، وإما إقدام عليه اتباعا للشيطان، ثم ذكر ضابط ما يتبع فيه الشيطان بأنه سوء وفحشاء، وقول ما لا يعلم على الله سبحانه وإذا كان الكف غير جائز إلا برضى من الله تعالى فالفعل أيضا كذلك فليس الاكل مما في الأرض حلالا طيبا إلا أن يأذن الله تعالى ويشرعه وقد شرعه بهذه الآية ونظائرها ولا يمنع عنه بنهي أو ردع كما سيأتي من قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم الآية) فرجع معنى الآية - والله أعلم - إلي نحو قولنا كلوا مما في الأرض من نعم الله المخلوقة لكم فقد جعله الله لكم حلالا طيبا ولا تتركوا بعضا منها كفا وامتناعا فيكون سوء وفحشاء وقولا بغير علم أي تشريعا ليس لكم ذلك وهو اتباع خطوات الشيطان.
فالآية تدل أولا: على عموم الحلية في جميع التصرفات إلا ما أخرجه الدليل فان لله سبحانه المنع فيما له الاذن فيه.