واديا - وهو وحده بلا أنيس والليل داج مظلم والبصر حاسر عن الادراك - فلا مؤمن يؤمنه بتميز المخاطر من غيرها بضياء ونحوه فترى أن خياله يصور له كل شبح يترائى له غولا مهيبا يقصده بالاهلاك أو روحا من الأرواح، وربما صور له حركة وذهابا وإيابا وصعودا في السماء ونزولا إلى الأرض، وأشكالا وتماثيل ثم لا يزال الخيال يكرر له هذا الشبه المجعول كلما ذكره وحاله حاله من الخوف، ثم ربما نقله لغيره فأوجد فيه حالا نظير حاله ولا يزال ينتشر - وهو موضوع خرافي لا ينتهي إلى حقيقة -.
وربما هيج الخيال حسن الدفاع من الانسان أن يضع أعمالا لدفع شر هذا الموجود الموهوم ويحث غيره على العمل بها للأمن من شره فيذهب سنه خرافية.
ولم يزل الانسان منذ أقدم أعصار حياته مبتلى بآراء خرافية حتى اليوم وليس كما يظن من أنها من خصائص الشرقيين فهي موجودة بين الغربيين مثلهم لو لم يكونوا أحرص عليها منهم.
ولا يزال الخواص من الانسان - وهم العلماء - يحتالون في إمحاء رسوم هذه الخرافات المتمكنة في نفوس العامة من الناس بلطائف حيلهم التي توجب تنبه العامة وتيقظهم في أمرها، وقد أعيا الداء الطبيب فإن الانسان لا يخلو من التقليد والاتباع في الآراء النظرية والمعلومات الحقيقية من جانب ومن الاحساسات والعواطف النفسانية من جانب آخر، وناهيك في ذلك أن العلاج لم ينجح إلى اليوم.
وأعجب من الجميع ما يراه في ذلك أهل الحضارة وعلماء الطبيعة اليوم! فقد ذكروا أن العلم اليوم يبني أساسه على الحس والتجربة ويدفع ما دون ذلك، والمدنية والحضارة تبني أساسه على استكمال الاجتماع في كل كمال ميسور ما استيسر، وبنوا التربية على ذلك.
مع أن ذلك - وهو عجيب - نفسه من اتباع الخرافة فإن علوم الطبيعة إنما تبحث عن خواص الطبيعة وتثبتها لموضوعاتها، وبعبارة أخرى هذه العلوم المادية إنما تكشف دائما عن خبايا خواص المادة، وأما ما وراء ذلك فلا سبيل لها إلى نفيه وإبطاله فالاعتقاد بانتفاء ما لا تناله الحس والتجربة من غير دليل من أظهر الخرافات.
وكذلك بناء المدنية على استكمال الاجتماع المذكور فإن هذا الاستكمال والنيل