في القلب بعروض شك أو اضطراب أو اعتراض أو سخط في شئ مما يصيبه مما لا ترتضيه النفس، ولا في خلق ولا في عمل، والدليل على أن المراد به ذلك قوله في ذيل الآية (أولئك الذين صدقوا) فقد أطلق الصدق ولم يقيده بشئ من أعمال القلب والجوارح فهم مؤمنون حقا صادقون في إيمانهم كما قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) النساء - 68، وحينئذ ينطبق حالهم على المرتبة الربعة من مراتب الايمان التي مر بيانها في ذيل قوله تعالى: (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت) البقرة - 131.
ثم ذكر تعالى نبذا من أعمالهم بقوله: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فذكر الصلاة - وهي حكم عبادي - وقد قال تعالى: (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت - 45، وقال: (وأقم الصلاة لذكرى) طه - 14، وذكر الزكاة - وهي حكم مالي فيه صلاح المعاش - وذكر قبلهما إيتاء المال وهو بث الخير ونشر الاحسان غير الواجب لرفع حوائج المحتاجين وإقامة صلبهم.
ثم ذكر سبحانه نبذا من جمل أخلاقهم بقوله: والموفون بعدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، فالعهد هو الالتزام بشئ والعقد له - وقد أطلقه تعالى - وهو مع ذلك لا يشمل الايمان والالتزام بأحكامه كما توهمه بعضهم - لمكان قوله إذا عاهدوا، فان الالتزام بالايمان ولوازمه لا يقبل التقيد بوقت دون وقت - كما هو ظاهر - ولكنه يشتمل بإطلاقه كل وعد وعده الانسان وكل قول قاله التزاما كقولنا: لأفعلن كذا ولأتركن، وكل عقد عقد به في المعاملات والمعاشرات و نحوها، والصبر هو الثبات على الشدائد حين تهاجم المصائب أو مقارعة الاقران، وهذان الخلقان وإن لم يستوفيا جميع الأخلاق الفاضلة غير أنهما إذا تحققا تحقق ما دونهما، والوفاء بالعهد والصبر عند الشدائد خلقان يتعلق أحدهما بالسكون والاخر بالحركة وهو الوفاء فالاتيان بهذين الوصفين من أوصافهم بمنزلة أن يقال: إنهم إذا قالوا قولا أقدموا عليه ولم يتجافوا عنه بالزوال.
وأما ما عرفهم به ثانيا بقوله: أولئك الذين صدقوا، فهو وصف جامع لجمل فضائل العلم والعمل فان الصدق خلق يصاحب جميع الأخلاق من العفة والشجاعة