فهذه معان تعطيها هذه الآيات الشريفة، وواضح أنها أحكام تغاير الاحكام الجسمانية، وتتنافى الخواص المادية الدنيوية من جميع جهاتها، فالنفس الانسانية غير البدن.
ومما يدل عليه من الآيات قوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى) الزمر - 42، والتوفي والاستيفاء هو أخذ الحق بتمامه وكماله، وما تشتمل عليه الآية: من الاخذ والامساك والارسال ظاهر في المغايرة بين النفس والبدن.
ومن الآيات قوله تعالى: (وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) السجدة - 11، ذكر سبحانه شبهة من شبهات الكفار المنكرين للمعاد، وهو انا بعد الموت وانحلال تركيب أبداننا تتفرق أعضاؤنا، وتبدد أجزاؤنا، وتتبدل صورنا فنضل في الأرض، ويفقدنا حواس المدركين، فكيف يمكن أن نقع ثانيا في خلق جديد؟ وهذا استبعاد محض، وقد لقن تعالى على رسوله الجواب عنه، بقوله: قل: يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم الآية، وحاصل الجواب أن هناك ملكا موكلا بكم هو يتوفيكم ويأخذكم، ولا يدعكم تضلوا وأنتم في قبضته وحفاظته، وما تضل في الأرض إنما هو أبدانكم لا نفوسكم التي هي المدلول عليها بلفظ، كم، فإنه يتوفيكم.
ومن الآيات قوله تعالى: (ونفخ فيه من روحه الآية) السجدة - 9، ذكره في خلق الانسان ثم قال تعالى: (يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربى) الاسراء - 85، فأفاد أن الروح من سنخ أمره، ثم عرف الامر في قوله تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ) يس - 83 ، فأفاد أن الروح من الملكوت، وأنها كلمة، كن، ثم عرف الامر بتوصيفه بوصف آخر بقوله: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) القمر - 50، والتعبير بقوله: كلمح بالبصر يعطي أن الامر الذي هو كلمة، كن، موجود دفعي الوجود غير تدريجية، فهو يوجد من غير اشتراط وجوده وتقييده بزمان أو مكان، ومن هنا يتبين أن الامر - ومنه الروح شئ غير جسماني ولا مادي، فإن الموجودات المادية الجسمانية من