تمتع الغير فالفطرة الانسانية تأباه، فلما استشعروا بذلك دعاهم جبر هذا النقص إلى وضع هذه الأوهام الكاذبة، التي ليس لها موطن إلا عرصة الخيال وحظيرة الوهم، قالوا إن الانسان الحر من رق الأوهام والخرافات يجب عليه أن يفدي بنفسه وطنه، أو كل ما فيه شرفه، لينال الحياة الدائمة بحسن الذكر وجميل الثناء، ويجب عليه ان يحرم على نفسه بعض تمتعاته في الاجتماع ليناله الآخرون، ليستقيم أمر الاجتماع والحضارة، ويتم العدل الاجتماعي فينال بذلك حياة الشرف والعلاء.
وليت شعري إذا لم يكن إنسان، وبطل هذا التركيب المادي وبطل بذلك جميع خواصه، ومن جملتها الحياة والشعور، فمن هو الذي ينال هذه الحياة وهذا الشرف؟ ومن الذي يدركه ويلتذ به؟ فهل هذا إلا خرافة.؟
وثانيا: ان ذيل الآية - وهو قوله تعالى: ولكن لا تشعرون، - لا يناسب هذا المعنى، بل كان المناسب له أن يقال: بل أحياء ببقاء ذكرهم الجميل، وثناء الناس عليهم بعدهم، لأنه المناسب لمقام التسلية وتطييب النفس.
وثالثا: أن نظيرة هذه الآية - وهي تفسرها - وصف حياتهم بعد القتل بما ينافي هذا المعنى، قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) آل عمران - 196، إلى آخر الآيات ومعلوم أن هذه الحياة حياة خارجية حقيقية ليست بتقديرية.
ورابعا: ان الجهل بهذه الحياة التي بعد الموت ليس بكل البعيد من بعض المسلمين في أواسط عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن الذي هو نص غير قابل للتأويل انما هو البعث للقيمة، واما ما بين الموت إلى الحشر - وهي الحياة البرزخية - فهي وان كانت من جملة ما بينه القرآن من المعارف الحقة، لكنها ليست من ضروريات القرآن، والمسلمون غير مجمعين عليه بل ينكره بعضهم حتى اليوم ممن يعتقد كون النفس غير مجردة عن المادة وان الانسان يبطل وجوده بالموت وانحلال التركيب، ثم يبعثه الله إلى القضاء يوم القيمة، فيمكن ان يكون المراد بيان حياة الشهداء في البرزخ لمكان جهل بعض المؤمنين بذلك، وان علم به آخرون.