قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون) آل عمران - 169، والآيات في ذلك كثيرة.
ومن أعجب الامر ما ذكره بعض الناس في الآية: انها نزلت في شهداء بدر، فهي مخصوصة بهم فقط، لا تتعداهم إلى غيرهم هذا، ولقد أحسن بعض المحققين: من المفسرين في تفسير قوله: واستعينوا بالصبر والصلاة الآية، إذ سئل الله تعالى الصبر على تحمل أمثال هذه الأقاويل.
وليت شعري ما ذا يقصده هؤلاء بقولهم هذا؟ وعلى أي صفة يتصورون حياة شهداء بدر بعد قتلهم مع قولهم: بانعدام الانسان بعد الموت والقتل، وانحلال تركيبه وبطلانه؟ أهو على سبيل الاعجاز: باختصاصهم من الله بكرامة لم يكرم بها النبي الأكرم وسائر الأنبياء والمرسلين والأولياء المقربين، إذ خصهم الله ببقاء وجودهم بعد الانعدام، فليس ذلك بإعجاز بل ايجاد محال ضروري الاستحالة، ولا إعجاز في محال، ولو جاز عند العقل إبطال هذا الحكم على بداهتها لم يستقم حكم ضروري فما دونه؟ أم هو على نحو الاستثناء في حكم الحس بان يكون الحس مخطئا في أمر هؤلاء الشهداء؟ فهم أحياء يرزقون بالاكل والشرب وسائر التمتعات - وهم غائبون عن الحس - وما ناله الحس من أمرهم بالقتل وقطع الأعضاء وسقوط الحس وانحلال التركيب فقد أخطأ في ذلك من رأس، فلو جاز على الحس أمثال هذه الأغلاط فيصيب في شئ ويغلط في آخر من غير مخصص بطل الوثوق به على الاطلاق، ولو كان المخصص هو الإرادة الإلهية احتاج تعلقها إلى مخصص آخر، والاشكال - وهو عدم الوثوق بالادراك على حاله، فكان من الجائز أن نجد ما ليس بواقع، واقعا والواقع ليس بواقع وكيف يرضى عاقل ان يتفوه بمثل ذلك؟ وهل هو إلا سفسطة.
وقد سلك هؤلاء في قولهم هذا مسلك العامة من المحدثين، حيث يرون أن الأمور الغائبة عن حواسنا مما يدل عليه الظواهر الدينية من الكتاب والسنة، كالملائكة وارواح المؤمنين وساير ما هو من هذا القبيل موجودات مادية طبيعية، وأجسام لطيفة تقبل الحلول والنفوذ في الأجسام الكثيفة، على صورة الانسان ونحوه، يفعل جميع الأفعال الانسانية مثلا، ولها أمثال القوى التي لنا غير أنها ليست محكومة بأحكام