الكليات حتى الموجودان اللذان لا يميز الحس جهة الفرقة بينهما فالحس المسلح يدرك ذلك منهما، والبرهان الفلسفي أيضا يوجب ذلك، فإن المفروضين من الموجودين لو لم يتميز أحدهما عن الآخر بشئ خارج عن ذاته، كان سبب الكثرة المفروضة غير خارج من ذاتهما فيكون الذات صرفة غير مخلوطة، وصرف الشئ لا يتثنى ولا يتكرر، فكان ما هو المفروض كثيرا واحدا غير كثير هف. فكل موجود مغاير الذات لموجود آخر، فكل موجود فهو بديع الوجود على غير مثال سابق ولا معهود، والله سبحانه هو المبتدع بديع السماوات والأرض.
وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون - 118. إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم - 119.
(بيان) قوله تعالى: وقال الذين لا يعلمون هم المشركون غير أهل الكتاب ويدل عليه المقابلة السابقة في قوله تعالى: وقالت اليهود ليست النصارى على شئ، وقالت النصارى ليست اليهود على شئ، وهم يتلون الكتاب كذلك، قال الذين لا يعلمون مثل قولهم الآية، ففي تلك الآية ألحق أهل الكتاب في قولهم بالمشركين والكفار من العرب، وفي هذه الآية ألحق المشركين والكفار بهم، فقال: وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية، كذلك قال الذين من قبلهم - وهم أهل الكتاب واليهود من بينهم - حيث اقترحوا بمثل هذه الأقاويل على نبي الله موسى عليه السلام، فهم والكفار متشابهون في أفكارهم وآرائهم، يقول هؤلاء ما قاله أولئك وبالعكس،