ويمكن أن يستدل بها على بطلان الإحباط، لأن الظاهر يدل على أنه لا يفعل أحد شيئا من طاعة أو معصية، إلا ويجازى عليها. وما يقع محبطا لا يجازى عليه.
وليس لهم أن يقولوا: إن الظاهر بخلاف ما تذهبون إليه في جواز العفو عن مرتكب الكبيرة، وذلك لأن الآية مخصوصة بالإجماع، فإن التائب معفو عنه بلا خلاف، وعندهم أن من شرط المعصية التي يؤاخذ بها، أن لا تكون صغيرة. فجاز لنا أيضا أن نشرط فيها أن لا يكون مما يعفو الله عنه. وقال محمد بن كعب: معناه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا، وهو كافر، ير ثوابه في الدنيا، في نفسه وأهله وماله وولده، حتى يخرج من الدنيا، وليس له عند الله خير. ومن يعمل مثقال ذرة شرا، وهو مؤمن، ير عقوبته في الدنيا، في نفسه وأهله وماله وولده، حتى يخرج من الدنيا، وليس له عند الله شر. وقال مقاتل: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره يوم القيامة في كتابه، فيفرح به. وكذلك من الشر يراه في كتابه، فيسوؤه ذلك. قال: وكان أحدهم يستقل أن يعطي اليسير ويقول: إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، وليس اليسير مما يحب.
ويتهاون بالذنب اليسير ويقول: إنما وعد الله الكفار النار على الكبائر. فأنزل الله هذه الآية، يرغبهم في القليل من الخير، ويحذرهم اليسير من الشر.
وعن أبي عثمان المازني، عن أبي عبيدة قال: قدم صعصعة بن ناجية، جد الفرزدق، على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وفد بني تميم، فقال: بأبي أنت يا رسول الله أوصني خيرا. فقال: أوصيك بأمك وأبيك وأدانيك. قال: زدني يا رسول الله.
قال: إحفظ ما بين لحييك ورجليك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما شئ بلغني عنك فعلته؟ فقال: يا رسول الله! رأيت الناس يمرجون على غير وجه، ولم أدر أين الصواب، غير أني علمت أنهم ليسوا عليه، فرأيتهم يئدون بناتهم، فعرفت أن الله، عز وجل، لم يأمرهم بذلك. فلم أتركهم يئدون، وفديت ما قدرت. وفي رواية أخرى: إنه سمع (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) فقال: حسبي ما أبالي أن لا أسمع من القرآن غير هذا. وقال عبد الله بن مسعود:
أحكم آية في القرآن (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) إلى آخر السورة. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يسميها الجامعة. وتصدق سعد بن أبي وقاص بتمرتين، فقبض السائل يده، فقال سعد: ويحك، يقبل الله منا مثقال الذرة والخردلة، وكان فيها مثاقيل.