يكون إعطاء الكتاب باليمين، إمارة للملائكة والمؤمنين، لكون صاحبه من أهل الجنة، ولطفا للخلق في الإخبارية، وكناية عن قبول أعماله، وإعطاؤه على الوجه الآخر، إمارة لهم على أن صاحبه من أهل النار، وعلامة المناقشة في الحساب، وسوء المآب.
ثم حكى سبحانه ما يحل به، فقال: (فسوف يدعو ثبورا) أي هلاكا إذا قرأ كتابه، وهو أن يقول: وا ثبوراه، وا هلاكاه (ويصلى سعيرا) أي يدخل النار، ويعذب بها، عن الجبائي. وقيل: يصير صلاء النار المسعرة. وقيل: يلزم النار معذبا على وجه التأبيد. (إنه كان في أهله مسرورا) في الدنيا، ناعما لا يهمه أمر الآخرة، ولا يتحمل مشقة العبادة، فأبدله الله بسروره غما باقيا لا ينقطع، وكان المؤمن مهتما بأمر الآخرة، فأبدله الله بهمه سرورا لا يزول، ولا يبيد. وقيل: كان مسرورا بمعاصي الله تعالى، لا يندم عليها، عن الجبائي. وقيل: إن من عصى وسر بمعصية الله، فقد ظن أنه لا يرجع إلى البعث، ولو كان موقنا بالبعث والجزاء، لكان بعيدا عن السرور بالمعاصي. (إنه ظن أن لن يحور) أي ظن في دار التكليف أنه لن يرجع إلى حال الحياة في الآخرة للجزاء، فارتكب المآثم، وانتهك المحارم. وقال مقاتل: حسب أن لا يرجع إلى الله فقال سبحانه: (بلى) ليحورن وليبعثن، وليس الأمر على ما ظنه (إن ربه كان به بصيرا) من يوم خلقه إلى أن يبعثه. قال الزجاج:
كان به بصيرا قبل أن يخلقه عالما بأن مرجعه إليه.
ثم أقسم سبحانه فقال: (فلا أقسم)، سبق بيانه في سورة القيامة (بالشفق) أي بالحمرة التي تبقى عند المغرب في الأفق. وقيل: البياض (والليل وما وسق) أي وما جمع وضم مما كان منتشرا بالنهار في تصرفه، وذلك أن الليل إذا أقبل أوى كل شئ إلى مأواه، عن عكرمة وغيره. وقيل: وما ساق لأن ظلمة الليل تسوق كل شئ إلى مسكنه، عن الضحاك ومقاتل. وقيل: وما وسق أي طرد من الكواكب، فإنها تظهر بالليل، وتخفى بالنهار. وأضاف ذلك إلى الليل لأن ظهورها فيه مطرد، عن أبي مسلم. (والقمر إذا اتسق) أي إذا استوى واجتمع وتكامل وتم. قال الفراء:
اتساقه امتلاؤه واجتماعه واستواؤه، لثلاث عشرة إلى ست عشرة (لتركبن طبقا عن طبق) هذا جواب القسم أي: لتركبن يا محمد سماء بعد سماء، تصعد فيها، عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والشعبي والكلبي. ويجوز أن يريد درجة بعد درجة،