وحقت) ليس هذا بتكرار، لأن الأول في صفة السماء، والثاني في صفة الأرض، وهذا كله من أشراط الساعة، وجلائل الأمور التي تكون فيها، والتقدير: إذا كانت هذه الأشياء التي ذكرناها وعددناها، رأى الانسان ما قدم من خير أو شر، ويدل على هذا المحذوف قوله: (يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا)) أي ساع إليه في عملك.
وقوله: يا أيها الانسان) خطاب لجميع المكلفين من ولد آدم، يقول الله لهم سبحانه، ولكل واحد منهم: (يا أيها الانسان إنك عامل عملا في مشقة لتحمله إلى الله، وتوصله إليه. (فملاقيه) أي ملاق جزاءه، جعل لقاء جزاء العمل لقاء له، تفخيما لشأنه. وقيل: معناه ملاق ربك أي صائر إلى حكمه، حيث لا حكم إلا حكمه. وقال ابن الأنباري والبلخي: جواب إذا قوله (أذنت لربها وحقت) والواو زائدة كقوله (حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها) وهذا ضعيف، والأول هو الوجه. ثم قسم سبحانه أحوال الخلق يوم القيامة فقال: (فأما من أوتي كتابه بيمينه) أي من أعطي كتابه الذي ثبت فيه أعماله، من طاعة أو معصية، بيده اليمنى. (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) يريد أنه لا يناقش في الحساب، ولا يواقف على ما عمل من الحسنات، وما له عليها من الثواب، وما حط عنه من الأوزار، إما بالتوبة أو بالعفو.
وقيل: الحساب اليسير التجاوز عن السيئات، والإثابة على الحسنات. ومن نوقش الحساب عذب في خبر مرفوع. وفي رواية أخرى، يعرف عمله ثم يتجاوز عنه. وفي حديث آخر: (ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا، وأدخله الجنة برحمته).
قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: (تعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك).
(وينقلب) بعد الفراغ من الحساب (إلى أهله مسرورا) بما أوتي من الخير والكرامة. والمراد بالأهل هنا ما أعد له من الحور العين. وقيل: أهله أزواجه وأولاده وعشائره، وقد سبقوه إلى الجنة. والسرور هو الاعتقاد والعلم بوصول نفع إليه، أو دفع ضرر عنه في المستقبل. وقال قوم: هو معنى في القلب يلتذ لأجله بنيل المشتهى. يقال: سر بكذا من مال، أو ولد، أو بلوغ أمر، فهو مسرور (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) لأن يمينه مغلولة إلى عنقه، وتكون يده اليسرى خلف ظهره، عن الكلبي. وقيل: تخلع يده اليسرى خلف ظهره، عن مقاتل. والوجه في ذلك أن