محمد عن هذه الآية وقال: ما ذلك التسبيح؟ قال: صلاة الليل. (إن هؤلاء يحبون العاجلة) أي يؤثرون اللذات والمنافع العاجلة في دار الدنيا (ويذرون وراءهم) أي ويتركون أمامهم (يوما ثقيلا) أي عسيرا شديدا. والمعنى أنهم لا يؤمنون به، ولا يعملون له. وقيل: معنى وراءهم خلف ظهورهم، وكلاهما محتمل.
ثم قال سبحانه: (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم) أي قوينا وأحكمنا خلقهم، عن قتادة ومجاهد. وقيل: أسرهم أي مفاصلهم، عن الربيع. وقيل: أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب، عن الحسن. ولولا إحكامه إياها على هذا الترتيب لما أمكن العمل بها، والانتفاع منها. وقيل: شددنا أسرهم جعلناهم أقوياء، عن الجبائي، وقيل: معناه كلفناهم، وشددناهم بالأمر والنهي كيلا يجاوزوا حدود الله كما يشد الأسير بالقد لئلا يهرب، (وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا) أي أهلكناهم وأتينا بأشباههم، فجعلناهم بدلا منهم، ولكن نبقيهم إتماما للحجة. (إن هذه) السورة (تذكرة) أي تذكير وعظة يتذكر بها أمر الآخرة، عن قتادة. وقيل: إن هذه الرسالة التي تبلغها (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) أي فمن أراد اتخذ إلى رضا ربه طريقا، بأن يعمل بطاعته، وينتهي عن معصيته. وفي هذا دلالة على أن الاستطاعة قبل الفعل.
(وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) أي وما تشاؤون اتخاذ الطريق إلى مرضاة الله اختيارا، إلا أن يشاء الله اجباركم عليه، والجاءكم إليه، فحينئذ تشاؤون ولا ينفعكم ذلك، والتكليف زائل. ولم يشأ الله هذه المشيئة بل شاء أن تختاروا الإيمان، لتستحقوا الثواب، عن أبي مسلم. وقيل: معناه وما تشاؤون شيئا من العمل بطاعته، إلا والله يشاؤه ويريده. وليس المراد بالآية أنه سبحانه يشاء كل ما يشاء العبد من المعاصي والمباحات وغيرها، لأن الدلائل الواضحة قد دلت على أنه سبحانه لا يجوز أن يريد القبائح، ويتعالى عن ذلك. وقد قال سبحانه: (ولا يريد بكم العسر).
(وما الله يريد ظلما للعباد) (إن الله كان عليما حكيما) مر معناه (يدخل من يشاء في رحمته) أي جنته يعني المؤمنين (والظالمين) يعني: ويجزي الكافرين والمشركين (أعد لهم عذابا أليما).