فقلت: زملوني فنزل يا أيها المدثر).
(قم فأنذر) أي ليس بك ما تخافه من الشيطان، إنما أنت نبي، فأنذر الناس، وادعهم إلى التوحيد. وفي هذا ما فيه لأن الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة، والآيات البينة الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو من الله تعالى، فلا يحتاج إلى شئ سواها، ولا يفزع، ولا يفرق. وقيل: معناه يا أيها الطالب صرف الأذى بالدثار، أطلبه بالإنذار وخوف قومك بالنار، وإن لم يؤمنوا. وقيل: إنه كان قد تدثر بشملة صغيرة لينام، فقال: يا أيها النائم! قم من نومك، فأنذر قومك.
وقيل: إن المراد به الجد في الأمر، والقيام بما أرسل به، وترك الهوينا فيه، فكأنه قيل له: لا تنم عما أمرتك به، وهذا كما تقول العرب: فلان لا ينام في أمره إذا وصف بالجلد، والانكماش، وصدق العزيمة، وكأنهم يحظرون النوم على ذي الحاجة، حتى يبلغ حاجته، وبذلك نطقت أشعارهم، كما قيل:
ألا أيها الناهي فزارة بعد ما * أجدت لأمر، إنما أنت حالم أرى كل ذي وتر، يقوم بوتره، * ويمنع عنه النوم إذ أنت نائم (1) ويقال لمن أدرك ثأره: هذا هو الثأر المنيم. وقال الشاعر يصف من أورد إبلا له:
أوردها سعد، وسعد مشتمل، * ما هكذا تورد يا سعد الإبل (2) والاشتمال مثل التدثر. (وربك فكبر) أي عظمه ونزهه عما لا يليق به.
وقيل: كبره في الصلاة، فقل الله أكبر (وثيابك فطهر) أي: وثيابك الملبوسة فطهرها من النجاسة للصلاة. وقيل: معناه ونفسك فطهر من الذنوب والثياب عبارة عن النفس، عن قتادة، ومجاهد. وعلى هذا فيكون التقدير وذا ثيابك فطهر، فحذف المضاف. ومما يؤيد هذا القول قول عنترة.