جاءته منيته وهو يطلب العلم، فبينه وبين الأنبياء درجة.
(والله بما تعملون خبير) أي عليم. ثم خاطب سبحانه المؤمنين مرة أخرى وقال: (يا أيها الذين أمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) أي:
(إذا ساررتم الرسول، فقدموا قبل أن تساروه صدقة. وأراد بذلك تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يكون ذلك سببا لأن يتصدقوا فيؤجروا عنه، وتخفيفا عنه صلى الله عليه وآله وسلم. قال المفسرون: فلما نهوا عن المناجاة، حتى يتصدقوا، ضن كثير من الناس، فكفوا عن المسالة، فلم يناجه أحد إلا علي بن أبي طالب، على ما مضى ذكره. قال مجاهد: وما كان إلا ساعة. وقال مقاتل بن حيان: كان ذلك ليالي عشرا. ثم نسخت بما بعدها. وكانت الصدقة مفوضة إليهم غير مقدرة (ذلك) أي: ذلك التصدق بين يدي مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (خير لكم) لأن فيه أداء واجب، وتحصيل ثواب. (وأطهر) أي: وأدعى لكم إلى مجانبة المعاصي وتركها، وأزكى لكم، تتطهرون بذلك بمناجاته، كما تقدم الطهارة على الصلاة.
(فإن لم تجدوا) ما تتصدقون به (فإن الله غفور) يستر عليكم ترك ذلك (رحيم) يرحمكم، وينعم عليكم. ثم قال سبحانه ناسخا لهذا الحكم: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) يعني أخفتم الفاقة يا أهل الميسرة، وبخلتم بالصدقة بين يدي نجواكم. وهذا توبيخ لهم على ترك الصدقة، إشفاقا من العيلة.
(فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم) لتقصيركم فيه (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله) فيما أمركم به، ونهاكم عنه (ورسوله) أي وأطيعوا رسوله أيضا (والله خبير بما تعملون) أي عالم بأعمالكم من طاعة ومعصية، وحسن وقبيح، فيجازيكم بها.
ثم قال سبحانه. (ألم تر) يا محمد (إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم) والمراد به قوم من المنافقين، كانوا يوالون اليهود، ويفشون إليهم أسرار المؤمنين، ويجتمعون معهم على ذكر مساءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين، عن قتادة وابن زيد (ما هم منكم ولا منهم) يعني: إنهم ليسوا من المؤمنين في الدين والولاية، ولا من اليهود (ويحلفون على الكذب) أي ويحلفون أنهم لم ينافقوا (وهم يعلمون) أنهم منافقون (أعد الله لهم عذابا شديدا) أي في الآخرة (إنهم ساء ما كانوا يعملون) أي بئس العمل عملهم، وهر النفاق وموالاة أعداء الله.