هبوني امرأ منكم أضل بعيره، * له ذمة، إن الذمام كبير أي ضل عنه بعيره. (وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) فسرناه في سورة البقرة. (فمن يهديه من بعد الله) أي من بعد هداية الله إياه، والمعنى:
إذا لم يهتد بهدى الله بعد ظهوره ووضوحه، فلا طمع في اهتدائه. (أفلا تذكرون) أي أفلا تتعظون بهذه المواعظ. وهذا استبطاء بالتذكر منهم أي: تذكروا واتعظوا حتى تحصلوا على معرفة الله تعالى.
ثم أخبر سبحانه عن منكري البعث فقال: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا) أي ليس الحياة إلا حياتنا التي نحن فيها في دار الدنيا، ولا يكون بعد الموت بعث، ولا حساب. (نموت ونحيا) قيل في معناه أقوال أحدها: إن تقديره نحيا ونموت، فقدم وأخر والثاني. إن معناه نموت ونحيي أولادنا والثالث: يموت بعضنا ويحيا بعضنا، كما قال (فاقتلوا أنفسكم) أي ليقتل بعضكم بعضا. (وما يهلكنا إلا الدهر) أي وما يميتنا إلا الأيام والليالي أي مرور الزمان، وطول العمر، إنكارا منهم للصانع. (وما لهم بذلك من علم) نفى سبحانه عنهم العلم أي إنما ينسبون ذلك إلى الدهر لجهلهم، ولو علموا أن الذي يميتهم هو الله، وأنه قادر على إحيائهم، لما نسبوا الفعل إلى الدهر.
(إن هم إلا يظنون) أي ما هم فيما ذكروه إلا ظانون، وإنما الأمر بخلافه، وقد روي في الحديث عن النبي (ص) أنه قال: (لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر) وتأويله أن أهل الجاهلية كانوا ينسبون الحوادث المجحفة، والبلايا النازلة إلى الدهر، فيقولون: فعل الدهر كذا. وكانوا يسبون الدهر فقال (ص): " إن فاعل هذه الأمور هو الله تعالى، فلا تسبوا فاعلها " وقيل: معناه فإن الله مصرف الدهر ومدبره، والوجه الأول أحسن. فإن كلامهم مملوء من ذلك ينسبون أفعال الله إلى الدهر. قال الأصمعي: ذم أعرابي رجلا فقال: هو أكثر ذنوبا من الدهر، وقال كثير:
وكنت كذي رجلين: رجل صحيحة، * ورجل، رمى فيها الزمان، فشلت وقال آخر:
فاستأثر الدهر الغداة بهم * والدهر يرميني، وما أرمي