لا بينه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا سلف الأمة وقال تعالى (فأينما تولوا فثم وجه الله) وقال تعالى (وجاء ربك) وقال تعالى (فأتى الله بنيانهم من القواعد) وقال تعالى (وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) وقال صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه عز وجل " من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلى ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " وما صح في الحديث " أجد نفس الرحمن من قبل اليمن) ومن قوله صلى الله عليه وسلم:
" الحجر الأسود يمين الله في الأرض " ومن قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه سبحانه وتعالى " أنا جليس من ذكرني " وكل هذه هل تأمن من المجسم أن يقول لك ظواهر هذه كثيرة تعدت الحصر أضعاف أحاديث الجهة فإن كان الأمر كما يقولون في نفي الجسمية مع أنه لم يأت في شئ من هذه ما بين خلاف ظواهرها لا عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عن سلف الأمة فحينئذ يكيل لك المجسم بصاعك ويقول لك لو كان الأمر كما قلت لكان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم، وإن قلت إن العمومات قد بينت خلاف ظواهر هذه لم نجد منها نافيا للجسمية إلا وهو ناف للجهة ثم ما يؤمنك من تناسخي يفهم من قوله (في أي صورة ما شاء ركبك) مذهبه ومن معطل يفهم من قوله تعالى مما تنبت الأرض مراده فحينئذ لا تجد مساغا لما نقص به من ذلك إلا الأدلة الخارجة عن هذه الألفاظ، ثم صار حاصل كلامك أن مقالة الشافعية والحنفية والمالكية يلزمها أن يكون ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم أفتراهم يكفرونك بذلك أم لا. ثم جعلت أن مقتضى كلام المتكلمين أن الله تعالى ورسوله وسلف الأمة تركوا العقيدة حتى بينها هؤلاء فقل لنا إن الله ورسوله وسلف الأمة بينوها ثم نقل عنهم أنهم قالوا كما تقول إن الله تعالى في جهة العلو لا في جهة السفل وإن الإشارة الحسية جائزة إليه فإذا لم تجد ذلك في كتاب الله تعالى ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ولا كلام أحد من العشرة ولا كلام أحد من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فعد على نفسك باللائمة وقل: لقد ألزمت القوم بما لا يلزمهم ولو لزمهم