والملك والعرب تكنى بذلك عن الملك فيقولون فلان استوى على كرسي المملكة وإن لم يكن جلس عليه مرة واحدة ويريدون بذلك الملك.
وأما قولهم: فإن حملتم الاستواء على الاستيلاء؟ لم يبق لذكر العرش فائدة فإن ذلك في حق كل المخلوقات فلا يختص بالعرش.
فالجواب عنه: أن كل الموجودات لما حواها العرش كان الاستيلاء عليه استيلاء على جميعها ولا كذلك غيره وأيضا فكناية العرب السابقة ترجحه وقد تقدم الكلام عن السلف في معنى الاستواء كجعفر الصادق ومن تقدم وقولهم استوى بمعنى استولى إنما يكون فيما يدافع عليه، قلنا واستوى بمعنى جلس أيضا إنما يكون في جسم وأنتم قد قلتم إنكم لا تقولون به، ولو وصفوه تعالى بالاستواء على العرش لما أنكرنا عليهم ذلك بل نعدهم إلى ما يشبه التشبيه أو هو التشبيه المحظور والله الموفق.
واستدل بقوله تعالى حكاية عن فرعون (يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى) فليت شعري كيف فهم من كلام فرعون أن الله تعالى فوق السماوات وفوق العرش يطلع إلى إله موسى أما إن إله موسى في السماوات فما ذكره وعلى تقدير فهم ذلك من كلام فرعون فكيف يستدل بظن فرعون وفهمه مع إخبار الله تعالى عنه أنه زين له سوء عمله وأنه حاد عن سبيل الله عز وجل وأن كيده في ضلال مع أنه لما سأل موسى عليه السلام وقال وما رب السماوات لم يتعرض موسى عليه السلام للجهة بل لم يذكر إلا أخص الصفات وهي القدرة على الاختراع، ولو كانت الجهة ثابتة لكان التعريف بها أولى لأن الإشارة الحسية من أقوى المعرفات حسا وعرفا وفرعون سأل بلفظة ما فكان الجواب بالتحيز أولى من الصفة وغاية ما فهمه من هذه الآية واستدل به