حديث الأوعال والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه فقد فهمت أن هذا المدعي ادعى أن الله فوق العرش حقيقة واستدل بقوله تعالى (ثم استوى على العرش) وجعل أن ذلك من الله تعالى خبر إنه فوق العرش وقد علم كل ذي ذهن قويم وفكر مستقيم أن لفظ استوى على العرش ليس إلا مراد فاللفظ فوق العرش حقيقة وقد سبق منا الكلام عليه، ولا في الآية ما يدل على الجمع الذي ادعاه ولا بين التقريب في الاستدلال بل سرد آية من كتاب الله تعالى لا ندري هل حفظها أو نقلها من المصحف. ثم شبه الآية في الدلالة على الجمع بحديث الأوعال كما قال صلى الله عليه وسلم فيه والله فوق العرش وقد علمت أنه ليس في الحديث ما يدل على المعية بل لا مدخل لمع، في الحديث قال وذلك أن مع إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة ولا محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى فإنه يقال ما زلنا نسير والقمر معنا والنجم معنا ويقال هذا المتاع معنا وهو لمجامعته معك وإن كان فوق رأسك فإن الله مع خلقه حقيقة ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد فلما قال (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم عالم بكم، قال وهذا معنى قول السلف إنه معهم بعلمه قال وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته قال وكذلك في قوله تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة) الآية وفي قوله تعالى (لا تحزن إن الله معنا) (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) (إنني معكما أسمع وأرى) قال ويقول أبو الصبي الذي فوق السقف لا تخف أنا معك تنبيها على المعية الموجبة لحكم الحال، فليفهم الناظر أدب هذا المدعي في هذا المثل وحسن ألفاظه في استثمار مقاصده ثم قال ففرق بين المعية وبين مقتضاها المفهوم من معناها الذي يختلف باختلاف المواضع فليفهم الناظر هذه العبارة التي ليست بالعربية ولا بالعجمية فسبحان المسبح
(١٧٦)