قلت: فإما أن يقال: ان حسانا له إسنادان في هذا الحديث أحدهما عن عبد الله بن بسر، والاخر عن أبي أمامة، فكان يحدث تارة بهذا، وتارة بهذا، فسمعه منه مبشر بن إسماعيل وعلي بن عياش منه بالسند الأول، وسمعه أبو المغيرة - واسمه عبد القدوس بن الحجاج الخولاني - منه بالسند الاخر، وكل ثقة حافظ لما حدث به.
واما أن يقال: خالف أبو المغيرة الثقتين، فروايته شاذة، وهذا أمر صعب لا يطمئن له القلب، لما فيه من تخطئة الثقة بدون حجة قوية.
فان قيل: فقد تبين من رواية يحيى بن حسان وحسان بن نوح أن عبد الله بن بسر قد سمع الحديث منه (ص)، وهذا معناه تصحيح للوجه الثاني أيضا من وجوه الاضطراب المتقدمة، وقد رجحت الوجه الأول عليها فيما سبق، وحكمت عليها بالشذوذ، فكيف التوفيق بين هذا التصحيح وذاك الترجيح؟
والجواب: ان حكمنا على بقية الوجوه بالشذوذ وإنما كان باعتبار تلك الطرق المختلفة على ثور بن يزيد، فهو بهذا الاعتبار لا يزال قائما. ولكننا لما وجدنا الطريقين الآخرين عن عبد الله بن بسر يوافقان الطريق المرجوحة بذاك الاعتبار، وهما مما لا مدخل لهما في ذلك الاختلاف، عرفنا منهما صحة الوجه الثاني من الطرق المختلفة. بعبارة أخرى أقول:
ان الاضطراب المذكور وترجيح أحد وجوهه إنما هو باعتبار طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن ابن بسر، لا باعتبار الطريقين المشار إليهما بل ولا باعتبار طريق لقمان بن عامر عن خالد بن معدان، فإنها خالية من الاضطراب أيضا، وهي عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء، وهي من المرجحات للوجه الأول، وبعد ثبوت الطريقين المذكورين،. يتبين أن الوجه الثاني ثابت أيضا عن ابن بسر عن النبي (ص) باسقاط أخته من الوسط. والتوفيق بينهما حينئذ مما لابد منه وهو سهل إن شاء الله تعالى، وذلك بان يقال: ان عبد الله بن بسر رضي الله عنه سمع الحديث أولا من أخته الصماء، ثم سمعه من النبي (ص) مباشرة. فرواه خالد بن معدان عنه على الوجه الأول، ورواه يحيى وحسان عنه على الوجه