وأما البيت الثالث فمعناه أن الأعوان والحراس من شأنهم أن يدفعوا زيارة من تكره زيارته وتجتوى مقاربته، والشيب من بين الزائرين الوافدين لا يغني في دفعه ومنعه أعوان ولا حراس.
ومعنى البيت الرابع نظير قولي وقدم تقدم:
ولاح بمفرقي قبس منير * يدل على مقاتلي المنونا وقول أخي رضي الله عنه وقد تقدم أيضا:
تعشو إلى ضوء المشيب فتهتدي * وتضل في ليل الشباب الغابر وقول ابن الرومي:
* فلما أضاء الشيب شخصي رمانيا * ومعنى قولي في البيت الخامس " طوى قناتي " إنه حنى قامتي، فإن الكبر يفعل ذلك.
والبحض: اللحم، ولا شبهة في أن الكبر يعترق اللحم من الجسد.
فأما الشوش فهو رفع الرأس تكبرا وتجبرا، يقال رجل أشوش ورجال شوش، فأردت أن الشيب يمنع من التكبر ويقعد عن التجبر ويورث الخشوع والاستكانة والخضوع.
وقولي في البيت السادس " وساقني اليوم من نطق إلى خرس " يجوز أن يكون المراد به إنني أكل عن الحجة وأعجز عن استيفاء الخطاب لضعف الكبر وعجز الهرم، فكأنني خرست بعد نطق.
ويجوز أن يراد به أيضا إنني أمسك عن الكلام وأسكت عن الجواب مع قدرة عليهما باسترذال كلامي واستضعاف خطابي، فإن الكبر لا يؤتمر له ولا يصغى إليه.