وقد مضى من يدي وفارقني * ما لا أراه براجع أبدا ولي وهي قطعة مفردة:
صدت وما كان الذي صدها * إلا طلوع الشعر الأشهب زار وكم من زائر للفتى * حل بواديه ولم يطلب ركبته كرها ومن ذا الذي * اركبه الدهر فلم يركب كأنه نار لباغي القرى * أضرمها القوم على مرقب أو كوكب لاح على أفقه * أو بارق يلمع في غيهب لحمي وقد أصبحت جارا له * زادي ودمعي وحده مشربي وإنني فيه ومن أجله * معاقب القلب ولم أذنب وليس لي حظ وإن كنت من * أهل الهوى في قنص الربرب وما رأينا قبله زائرا * جاء إلينا ثم لم يذهب معنى البيت الذي أوله " لحمي وقد أصبحت جارا له " إن صاحب الشيب إذا كان على الأكثر ينقص لحمه ويهزل جسمه ويعترق الشيب أعضاءه، فكان ذا الشيب يتزود لحمه فهو يفنى على الأيام.
ويحتمل وجها آخر، وهو: إن لذي الشيب حسرة على شبابه وحزنا على حلول مشيبه، فيعض كفه وأنامله كما يفعل المغيظ المهموم، وجعل ذلك الغيظ تزودا و اقتياتا على سبيل المجاز.
والبيت الأخير معناه: أن من شأن كل زائر لغيره أن يجوز انصرافه عنه ومفارقته له وذلك المزور حي باق، إلا الشيب فإنه إذا زار لم يذهب إلا بذهاب الحياة وفقدها.