قالوا تسلى فشيبات الصبي قبس * فقلت ذاك ولكن شر ما قبس وزارني لم أرد منه زيارته * شيب ولم يغن أعواني ولا حرسي يضئ بعد سواد في مطالعه * لفاغر من ردى الأيام مفترس طوى قناتي واغتالت أظافره * تحضى ورد إلى تقويمه شوسي وصد عني قلوب البيض نافرة * وساقني اليوم من نطق إلى خرس إن كان شيبي بقاء قبله دنس * فقد رضيت بذاك الملبس الدنس وغالطوني وقالوا الشيب مطهرة * وما السواد به شئ من النجس والعمر في الشيب ممتد كما زعموا * لكنه لم يدع شيئا سوى النفس معنى البيت الأول إنه كان مشبه بالغلس وهو الشباب لا يمزجه شئ من المشبه بالفجر وهو الشيب، فانعكس ذلك وصار بياضي بغير سواد.
ومعنى البيت الثاني: أنهم إذا أسلوا عن المشيب وعزوا عن مضرته بأنه يشبه بالقبس الذي المنفعة به ظاهرة، فمن أحسن جواب عن هذه التسلية أن يصدقوا في شبهه به هيئة وصبغة ومخالفته له في الفائدة والعائدة، وقرب شئ يوافقه ظاهرا ويخالفه باطنا. والقبس أيضا الذي شبه الشيب به قد يستضر به في حال كما ينتفع به في أخرى. وقولي " ولكن شرما قبس " كاف في الجواب.
وإنما قلت " ذاك " ولم أقل ذاكم والخطاب لجماعة استقلالا للفظة الجمع في هذا الموضع واستخفاف خطاب الواحد.
وقد يجوز أن يقل المخاطب بالجواب على بعض من خاطبه دون بعض، أما لتقدمه ووجاهته أو لفضل علمه وفرط فطنته. وفي الكلام الفصيح لهذا نظائر كثيرة يطول ذكرها، فإن استحسن أو استخف راو أن يقول ذا كم مكان ذاك فليروه كذلك، فلا فرق بين الأمرين.