ورأيت الآمدي يقول: إن قوما عابوا أبا تمام بقوله (شيب الفؤاد) قال:
وليس عندي بمعيب، لأنه لما كان الجالب للشيب القلب المهموم نسب الشيب إليه على الاستعارة.
قال الآمدي: وقد أحسن عندي ولم يسئ.
فيقال له: قد أحسن الرجل بلا شك ولم يسئ وما المعيب إلا من عابه، وأما أنت أيها الآمدي فقد نفيت عنه الخطأ واعتذرت له باعتذار غير صحيح، لأن القلب إذا كان جالبا للشيب كيف يصح أن يقال: قد شاب هو نفسه؟ وإنما يقال: إنه أشاب ولا يقال شاب.
والعذر الصحيح لأبي تمام: أن الفؤاد لما كان عليه مدار الجسد في قوة وضعف وزيادة ونقص ثم شاب رأسه، لم يخل ذلك الشيب من أن يكون من أجل تقادم السن وطول العمر أو من زيادة المهموم والشدائد، وفي كلا الحالين لا بد من تغير حال الفؤاد وتبدد صفاته، فسمى تغير أحواله شيبا استعارة ومجازا كما كان تغير لون الشعر شيبا.
والبيت الثاني يشهد بما قلناه، لأنه جعل القلوب طلائع الأجساد في كل بؤس ونعيم.
وقال الآمدي: قوله (عمرت مجلسي من العواد) لا حقيقة له، لأنا ما رأينا ولا سمعنا أحدا جاءه عواد يعودونه من الشيب، ولا أن أحدا أمرضه الشيب ولا عزاه المعزون عن الشباب، وقد قال ابن حازم الباهلي أو غيره:
أليس عجيبا بأن الفتى * يصاب ببعض الذي في يديه فمن بين باك له موجع * وبين معز مغذ إليه ويسلبه الشيب شرخ الشباب * فليس يعزيه خلق عليه